معايدة شهر الفخر من شمال سوريا

لاتزال معركة البحث عن كافة السبل والطرق لإيصال صوتهنّ/م مستمرة، على الرغم من القمع الذي ترعاه الدولة وبقية التشكيلات الأخرى ضدهم، إلى جانت الوصم الاجتماعي، إذ يسعى أفراد مجتمع الميم-ع، في سوريا كغيرهنّ/م من أقرانهم في المجتمعات العربية الأخرى، من طرح قصصهنّ/م وإقامة التحالفات وشبكات الاتصال عبر الحدود، متحدين كافة العوائق والعقبات التي تواجههنّ/م، كما يحاول البعض منهم إيجاد طرق مبتكرة لمحاربة رُهاب المثلية ورهاب متحوّلي/ات النوع الاجتماعي.

حركة حراس المساواة بمناسبة شهر الفخر، وتأكيدا منا على الاستمرار في نضالنا لتحقيق العدل والمساواة حتى ينال أفراد مجتمع الميمع كافة حقوقهنّ/م، سنبدأ بطرح قصص وتجارب لبعض الأفراد تباعا من كافة مناطق السيطرة المختلفة ، المحافظات والمدن السورية، نتناول خلالها سرد ما يقوم به أفراد مجتمع الميمع والمعاناة التي يعيشوها في كافة مناطق السيطرة المختلفة والمحافظات والمدن السورية وعن كفاحهنّ/م المستمر وتحديهنّ/م لكافة الظروف المحيطة والمحفوفة بالخطر، كما سنتناول قصصا أخرى لأفراد مجتمع الميم-ع السوري اللاجئين/ات في تركيا ولبنان والأردن وغيره .

نبدأ أولى قصصنا مع سامي، الذي بعث برسالة تهنئة لجميع أصدقائه من أفراد مجتمع الميم_ع من الداخل السوري ، وجسد تلك التهنئة من خلال سرد قصصي للحالة التي يعيشها.

حيث يقول سامي :

هل يمكنني الاحتفال معكم بشكل سريّ؟
“على هامش الأمل واليأس.. أنا معكم”

يمر علي شهر يونيو 2022، شهر الفخر، وأنا في خزانتي، أرتعد من الخوف، والقهر.
كل شهور العام وأيامه تمرّ علي وأنا حبيس خزانتي، لكن في هذا الشهر تحديداً تتقلب علي كل المواجع، كمعتقل رأي، يسمع من خلف القضبان بأن اليوم هو الثالث من مايو ويصادف حريّة الصحافة!

“لست وحدك” لا انتظر من أحدٍ بأن يردد تلك العبارة الساذجة على مسمعي وبشكل مبذول، لأنني وحيد بالفعل، ولا يمكن بأي لغة من لغات العالم أن تخدعني وتخفف عنّي ثقل هذا الشقاء!
أنا وحيد ومسجون، وأكاد أتوقف عن التنفس، عندما أفقد التحمل عن السيطرة والصمت، وأخبر من حولي عن حقيقتي، حينها ستتحطم تلك الخزانة على رأسي، وترديني قتيلاً!

أفكر دائماً كيف سأُنعى؟
هل سيقولون: وأخيراً مات ذاك الشاذ!
أو سيصفق “الهوموفوبيك” بأن العالم قد تخلّص من قرفِه!
أو سيهلّل المؤمنون بأن الله قد انتقم مني وأخذني أخذ عزيز مقتدر!
مخيّلتي واسعة جداً، تتسع لكل الخيارات القبيحة، لكنّها لا تتسع لخيار واحد، لحلم أوحد، هو أن أحيا حياة آمنة، وأمارس حياتي بكامل حريتي وكرامتي وطبيعتي، وأموت بهدوء، ويشيّع جثماني مع باقات الزهور، كما بقيّة الخلق!
يا إلهي!!! كم هو حلم صعب المنال في شرقنا الأوسط!
هو حلم أبعد من الأرض عن شهب السماء، في المكان المظلم من هذا العالم، في المكان الذي يحاكم فيه الإنسان على ميوله!
بل يُقتل صاحبه تحت مظلّة شريعة خالق الجمال والقبح في آن واحد، على حُبٍّ يرونه جُرماً، مارسه على سرير نومه، تحت سقف غرفته الخاصّة!

لا أستطيع نسيان صوت أنفاسه الساخنة في إذني وهو يلهث بشكل متسارع، زميلي في الدراسة، وشريكي في السكن الجامعي، حينما فتح باب غرفتي بشكل متوحش، مسك طرف قميصي وشدّني نحوه، ليخبرني بأن أحد أصدقاءنا تم كشف “شذوذه” على حسب تعبيره، وقد هرب إلى تركيا، وبدأ يحذرني من التحدث معه، وفي حال فعلت، سأخسره إلى الأبد، ولن أرى خيراً بعدها، أخبرني أنه يجب علينا أن نحظره على كافة مواقع التواصل، وأن ننكر الصداقة التي جمعتنا به، وإلا سينظر الناس إلينا كأننا مثله، “شواذ ولوطيين”، وصمة العار تلك التي بسببها قُتل الآلاف حول العالم، وطُرد آخرون من منازل عوائلهم، وهرب البقيّة منفيوّن من أوطانهم التي تحملت كل أنواع الديكتاتوريات والاستبداد والفساد، ولم تستطع تحمّل و تقبّل اختلاف ميول الآخر!
لم أحرك ساكناً، لقد رأيت النار مشتعلة في عينيه، فقط كنت أرجف من الخوف وأهزّ رأسي موافقاً كل ما يقوله.
لا يمكنني تصوّر ماذا كان سيفعل حينها لو أخبرته أنني كما صديقنا الذي نجا بنفسه!!
لا أعتقد أنه سيتوانى لحظة بذبحي في غرفتي وعلى سريري!

سأبقى في خزانتي، حتى إشعار آخر، ألوّح للأصدقاء خارج هذه البلاد وأهنئهم بعيدهم وحريّتهم، واطلب النجدة!
أنا هنا يا أصدقاء، هل تسمعونني؟
هل يمكنني أن احتفل معكم سراً؟
يا أصدقاء!
نحن سنبقى موجودين معكم نناضل بصمت من أجل سوريا الحرية، سوريا التي تحترم كرامة وحقوق الجميع، سوريا خالية من كافة أشكال الاستبداد.

سامي، ٢يونيو ٢٠٢٢م، الشمال السوري.

شارك!