ماهي  الجنسانية الشاملة ( البانسكشوالتي) و الفرق بينها وبين الثنائية الجنسية (البايسكشوالتي)

شارك!

Pansexuality – الجنسانية الشاملة

بدأ من القرن العشرين تقدمت المعارف حول الطبيعة البشرية إلى ما هو أبعد بكثير مما كان الإنسان يتصور و خاصة إذا ما قمنا بمقارنة كمية المعرفة التي بين أيدينا الآن عن تلك في القرون السابقة التي تبنت العديد من الأحكام المسبقة البسيطة بسبب نقص المعرفة من جهة, ومن جهة أخرى سيطرة الفكر الديني والعقائدي على الإنتاج الفكري وتحكمه به. 

وأدت الأبحاث العلمية عن التوجه والهوية الجنسية بشكل خاص الى إحداث ثورة معرفية لا تقل بوزنها الاجتماعي عن الثورة الصناعية. وعلى الرغم من أن هذه المفاهيم لا تزال من المحرمات في بعض الثقافات كما أنها مازالت موضع تساؤل وشك من قبل الكثيرين فإن الحقيقة التي لا يمكن ولا يجوز إنكارها هي أن هناك نسبة ليست بالقليلة من الناس الذين يتميزون بهوياتهم وميولهم الجنسية عن الآخرين ذوي ما يسمى ” الغالبية أو التقليدية” ذات الميول الجنسانية المغايرة.

على امتداد العقود القليلة الماضية دخلت المصطلحات الجديدة المتعلقة بالنشاط الجنسي وموضوعاته مثل التوجه الجنسي أو الهوية الجنسية في القواميس وبدأ التعامل والتفاعل معها في حياتنا اليومية. وبما أن المعرفة هي طبيعة وطليعة الحكمة فبدلاً من تجاهل أو محاربة بعض الموضوعات بشكل مقصود أو غير عن غير قصد فقد يكون من الأفضل محاولة التعرف عليها وفهمها. 

عندما يتعلق الأمر بالتوجه الجنسي فإن معظم الناس أصبحوا يميزون ولو بدرجات متفاوتة بين الغيرية الجنسية والمثلية الجنسية والازدواجية الجنسية، ولكن هذه ليست هي كل التوجهات, وهناك أخرى يمكن أن تكون أقل شيوعة وقد تسبب بعض الرفض و المشاكل كمفهوم البانسكسوالتي مثلاً على الرغم من أنه معروف منذ بدايات القرن العشرين ولكن نادرًا ما تم استخدامه ولم يٌفصح عنه جهاراً.

مصطلح Pansexuality الذي أقوم بتعريبه بالجنسية الشاملة, هو مركب من جزئين. من اليونانية تُترجم البادئة “Pan” على أنها ” كُل “، بينما يشير “sexual” بالانكليزية و „ sexu” باللاتينية إلى معنى “نوع – جندر- جنس”. وهو يعتبر مصطلحاً جديدًا إلى حد ما وتم تروجيه بشكل واسع في القرن الحادي والعشرين بفضل مشاهير الفنون الاستعراضية, على الرغم من كون الفكرة معروفة من قبل ويمكن التعرف على بعض مظاهرها في مؤلفات سيغموند فرويد.

اشتهر مصطلح ال Pansexuality بفضل الممثلة والمغنية Miley Cyrus التي وصفت نفسها في إحدى المقابلات بأنها pansexual وأنها لا تستطيع تعريف نفسها كفتاة أو فتى و لا تريد أن يتم تصنيفها كشخص من جنس معين وهوية جنسية وتوجه جنسي لأنها غير قادرة على تحديد ذلك بنفسها. ومن المشاهير الآخرين المشهورين على مستوى العالم الذين يعتبرون شاملين جنسياً: الممثلة Kristen Jaymes Stewart و المغنية Sia و  Lady Gagaوغيرهم ومنهم مادونا.

مصطلح Pansexuality في علم الجنس العيادي هو توجه / ميل يشير إلى الدافع الجنسي الذي يشعر به الشخص تجاه شخص آخر بغض النظر عن جنسه البيولوجي وهويته الجنسية وتوجهه الجنسي. يتم تعريف Pansexuality على أنه التوجه الجنسي الذي ينطبق على البالغين والذي الذي يعترف بأن كل شخص يستحق أن يكون محبوبًا ومرغوباً بغض النظر عن الجنس والهوية الجنسية والتوجه الجنسي الذي يتسم به. 

لماذا ينطبق على البالغين فقط؟ 

هذا التوجه / الميل الجنسي الجنس ينطبق فقط على البالغين لكونه يتضمن في جوانبه حقيقة أنه يتصل بالرغبة الجنسية والقدرة على إنشاء علاقة مع الشخص الآخر بغض النظر عن جنسه البيولوجي أو الثقافي. بالنسبة للأشخاص من هذا التوجه لا توجد عندهم حدود معينة عندما يتعلق الأمر بالشعور بالرغبة الجنسية والانجذاب الجنسي اتجاه الآخر بكونه بيولوجياً أو نفسياً أو جنسانيةً أنثى أو ذكر, ما يهمه هو أنه إنسان فقط. كما أن هؤلاء الأشخاص من هذا التوجه ليسوا مهتمين بإشباع الرغبة الجنسية المبالغ فيها مع الشريك بقدر ما يهمهم هو إنشاء علاقة مع الشخص الآخر بالنظر الى شخصيته و سماته وعواطفه وما إلى ذلك. يشير الأشخاص البانسكس إلى أنفسهم على أنهم مكفوفون عن جنس  /  نوع و توجه الشريك الجنسي مما يعني أن ذلك ليس متطلباُ وليس له دور في اهتماماتهم الرومانسية أو الجنسية. 

لا ينبغي بالطبع الخلط بين هذا التوجه والازدواجية الجنسية ( Bisexual ). تُقدر نسبة الأشخاص من أصحاب هذا التوجه من 1 الى 1,5% بين البالغين في العالم, وهي بالطبع نسبة كبيرة بالنظر الى عدد سكان العالم الذي بلغ مؤخراً 8 مليار, ثلثهم على الأقل من البالغين.

على الرغم من عدم ضرورة الخلط بين مفهوم ال ( بانسكس ) و مزدوج الميول الجنسية ( بايسكس ) فإن الفروق بينهم ليست كبيرة . فلدى pansexual كما ذكرنا سابقًا يمكن أن توجد مشاعر تجاه أي شخص بغض النظر عن هويته الجنسية و جنسه البيولوجي ومن يشعر به عندما يُعرف بنفسه جنسياً، وعن تفضيلاته الجنسية وما إلى ذلك. لذلك بالنسبة لهم فإن المهم فقط هو السمات الشخصية والجسدية المثيرة لإهتمامه و تُير عنده الرغبة بإقامة علاقة معه تتجاوز العلاقة الجنسية.على النقيض من ذلك ، فإن مزدوجي الجنس لديهم الدافع الجنسي والعاطفي والنفسي والفكري اتجاه الأشخاص من نفس الجنس أو من الجنس الآخر المختلف من شريحة الذكور والإناث بالدرجة الأولى, بمعنى أنهم نادراً ما يتجاوزون حدود الجنس البيولوجي. وتجدر الإشارة إلى أن الازدواجية الجنسية لا تعني بالضرورة أن الإناث والذكور ينجذبون على هذا الشكل بنسبة 50/50, فقد ينجذب بعض المزدوجين إلى الذكور أكثر من النساء أو بالعكس وهذا لا يجعلهم طبعا غير مزدوجي الجنس.

للأسف الشديد عادة ما يواجه جميع الأشخاص من ذوي التوجهات الجنسية اللانمطية من وصمة العار والتي يغذيها إضافة الى الإرث الثقافي والديني الذي يبسط سلطته على حياة الفرد الجنسية ويراقبها, نجد اعتقاد بعض الناس بأن كل من ليس نمطياُ يعيش حياة جنسية مُنحلة و شاذة بلا عواطف أو علاقات شرائكية ناضجة. نتيجة لهذه المفاهيم الخاطئة وغيرها يعاني الأشخاص من ذوي هذا الاتجاه من معدلات أعلى من العنف والنبذ الاجتماعي وسوء المعاملة والتهكم بشكل أكبر حتى من ذوي الميل المثلي أو المزدوج. وهذا بدوره يمكن أن يؤدي إلى الشعور بتدني احترام الذات والاغتراب والرفض. واليأس مما يتسبب لديهم بالاضطرابات النفسية كالإكتئاب الذي قد يقود الى الانتحار.

يمكن العثور حالياً في الإنترنت على العديد من الاختبارات المبسطة المصممة للمساعدة في اكتشاف ذاتنا و توجهنا الجنسي الذي يخصنا, ولكن معظمها للأسف ليست مصدرًا موثوقًا وفي الكثير من الأحيان تتسبب بمشكلات شخصية واجتماعية كثيرة. وبحال أنه لدينا شكوك حول توجهاتنا فإن التفاعل مع مثل هذه الاختبارات ليس ضاراً ولكن علينا أن نعرف بأنها ليست تشخيصية وقد تكون غير دقيقة في أحسن الأحوال لأنه ليس من السهل والبساطة دائمًا فهم المشاعر أو الانفعالات وبدلاً من تعليب الشخص لنفسه فن الأفضل استشارة الأخصائي النفسي الجنسي ليس للمساعدة بتحديد الهوية الجنسية وحسب وإنما بتقبل الذات ومحاولة التكيف الإيجابي معها.

وأخيرا علينا التذكير بأنه لا توجد طريقة “صحيحة” أو “خاطئة” للانجذاب العاطفي والجنسي نحو شخص ما, كما من المهم أن تتذكر أن كل الانتماءات والتوجهات الجنسية الأخرى كلها يمكن اعتبارها في حيز السواء طالما أنها مبنية على القبول المشترك و لا تتسبب بإيذاء الذات أو الشريك

بقلم الدكتور بسام عويل – اختصاصي اكلينيكي بالصحة النفسية والصحة الجنسية وكذلك بالعلاج النفسي والجنسي، بروفيسور أكاديمي يعمل في جامعات بولندا،