1% حول العالم لا يملكون رغبات جنسية! اللا جنسيّة ليست اضطرابا!

اللاجنسيّة 

إنّ حوالي واحد بالمئة من السكان، لا يشعرون بالرغبة الجنسيّة، اتجاه أي أحد من كلا الجنسين، ولا يشعرون أيضاً بالارتياح حيال التقارب الجنسي! 

 يستمتع هؤلاء الأشخاص “اللاجنسيّون” بالحياة والأنشطة المتنوّعة، ومنها بالطبع الاجتماعية، لكنّهنّ/م ما زالوا يعانون من التمييز والتحيّز من قبل المجتمع، الذي يعتبرهنّ/م يعانون من اضطراب جنسي! 

والغالبيّة من الناس لا تستطيع فهم أنهنّ/م ببساطة “لا” يشعرون بالانجذاب الجنسي . 

مـا هـي الـلاجـنـسـيّـة ؟ 

عندما يصف الشخص نفسه بأنّه “لاجنسي” فهذا يعني أنّه لا ينجذب جنسيّاً لأي من الجنسين، وينظر هؤلاء الأفراد إلى أي محاولة للتفاعل الجنسي على أنّها مروّعة أو مملّة أو غير مهمّة لهنّ/م، وليست ضروريّة في الأساس! 

و”اللاجنسيّة” اليوم، وبحسب التصنيفات التشخيصيّة العالميّة، ليست اضطراباً ولا مرضاً، على الرغم من أنَّ تلك التصنيفات تضمنها لفترة طويلة في معايير ICD-10 وتصنيف DSM للاضطرابات النفسيّة، وكان يتم التعامل معه على أنه اضطراب إلى الحين الذي ظهرت فيه مقالة Poston وزملاؤه في العام 2010 حيث أصبح من الواضح أنّ الشخص اللاجنسي ليس مريضاً، وأنّ اللاجنسيّة لا تخضع لإرادة الإنسان الحرّة، أو حتى الاختيار الواعي .

الأشخاص اللاجنسيّون قادرون/قادرات على الحبّ، وعلى التواصل الاجتماعي، كما الآخرين، لكنّهنّ/م ببساطة لا يشعرون بالرغبة في التفاعل الجنسي، أو ليس لديهنّ/م انجذاب جنسي، إضافةً أنهنّ/م لا يعانون شخصيّاً نتيجة هذا الأمر، وهذا هو الأهم! 

حالياً تُعتبر اللاجنسيّة مفهوماً محايداً، ويتم التعامل معها على أنّها توجّه جنسي، على غرار الغيريّة الجنسيّة، أو المثليّة الجنسيّة، أو الازدواجيّة الجنسيّة .

لدى بعض اللاجنسيّات/ين رغبة منخفضة جداً، و في معظم الحالات تكون هذه الرغبة معدومة في التقارب الجنسي و ممارسة الجنس مع أشخاص آخرين، لكونهنّ/م لا يشعرون بالانجذاب الجنسي، ولا يهتمون بالتفاعلات الجنسيّة مع الآخرين .

“اللاجنسيّة” ليست اختياراً واعياً مثل “العزوبة” بل هي توجّه جنسي، وأيضاً ليست نتيجة لاضطرابات نفسية معيّنة .

 تتخذ اللاجنسيّة أشكالاً عديدة، منها _على سبيل المثال_ أن تجد أشخاصاً لاجنسيّون، قد يجدون أشخاصاً آخرين وينجذبون لهنّ/م عاطفيّاً، أو قد يحتاجون إلى الملامسات الجسديّة اللطيفة، كالقبلة والعناق، ولكن لا أكثر من ذلك . 

من الضروري _مرة أخرى_ التنويه بأنّه بالنسبة للأشخاص اللاجنسيين فإن وجود اهتمام جنسي ضئيل أو معدوم، هذا بحدّ ذاته لا يسبب لهنّ/م المعاناة، إلا أنّ المشكلات قد تنشأ عندما تكون هناك احتياجات جنسيّة مختلفة عند الشريك/ة في العلاقات الغراميّة، وعندها يظهر التحيّز والتمييز الاجتماعي اتجاههنّ/م، وعادةً يتم التعامل معهنّ/م على أنهنّ/م “غير طبيعيّات/ين” أو “مرضى” مما يُشكل بالنسبة لهنّ/م ضغوطات وأعباء نفسيّة! 

فالرغبات الجنسيّة مُعوّمة، ومنتشرة في كل مكان في المجتمع، و خاصّة في وسائل الإعلام، والتواصل الاجتماعي، وهو ما يجعل المتأثّرات/ين بنقصها يشككون في أنفسهنّ/م أحياناً، إنهنّ/م يشعرون بالاختلاف والعزلة، إضافةً لنظرة المجتمع على أنهنّ/م  “غير طبيعيين/ات” 

الـلاجـنسـيّـة، الأعـراض والـمـظـاهـر : 

اللاجنسيّة عادةً ما تصبح ملحوظة بالفعل في مرحلة المراهقة، أثناء الدخول بالعلاقات العاطفيّة، وبدء ثورة الهرمونات الجنسيّة، وكثرة الحديث عن الجنس، والتفكير به، وممارسته ذاتيّاً .

الكثير من المراهقات/ين يتقاربون حميميّاً ويختبرون جنسانيتهنّ/م الأولى في تلك العلاقات، والبعض منهنّ/م يتفاخر أمام أقرانه بـ “فتوحاته/ها الجنسيّة” التي حققها، ولكن بالوقت ذاته  نجد البعض من المراهقات/ين من بينهنّ/م لا يشعرون بهذه الاحتياجات، وهو ما يجعلهنّ/م في موضع تهكّم، وسخرية، من قبل الأقران بالدرجة الأولى، إضافةً إلى أنهنّ/م _هنّ/م أنفسهنّ/م_ لا يفهمون سبب ذلك!! 

إنهنّ/م  ينضجون جسديّاً، بل إنهنّ/م يقعون في الحبّ ويتوّقون إلى العلاقة الحميمة، الروحيّة والعاطفيّة، مع الشريك/ة  لكنهنّ/م لا يرون معنى للتقارب الحميمي الجنسي، لأنهنّ/م ببساطة لا يشعرون بالحاجة إليه . 

على الرغم من صعوبة تحديد أعراض “اللاجنسيّة” بوضوح كامل، إلَّا أنَّ أكثرها شيوعاً تشمل : 

غياب كامل أو ضعف شديد بالرغبة الجنسيّة . 

عدم الاهتمام بالنشاط الجنسي : بالنسبة للبعض غياب تام للحاجات الجنسيّة، بما في ذلك القبلات والعناق، وبالنسبة للبعض الآخر فهو مرتبط بضعف الاهتمام وعدم الحاجة والرغبة للاتصال الجنسي تحديداً .

عدم القدرة على “التوافق” مع توجه جنسي معين : غالباً نجد هؤلاء الأشخاص غير المتيقّنين، يبتعدون عن تعريف أنفسهنّ/م على أنهنّ/م مغايرات/ين أو مثليات/ين جنسيّاً أو ينتمون إلى أيّ فئة مرتبطة بممارسة أيّ نشاط جنسي . 

اعتبار ممارسة الجنس سلوكاً غريباً عنهنّ/م ومثيراً للاشمئزاز . 

صعوبة فهم  العلاقات الجنسيّة للآخرين : لا يفهم الشخص اللاجنسي اهتمام  الآخرين بالجنس والممارسة الجنسيّة، وقضاء الكثير من الوقت للتفكير به أو بذل الجهد لممارسته .

الإنجذاب الروحي والعاطفي للآخرين، واعتبارهنّ/م جذابين  ولكنهنّ/م لا يشعرون اتجاههنّ/م بأي دافع جنسي .

تجنّب الأنشطة الجنسيّة والعلاقات الجنسيّة الحميمة .

الرضا عن الحياة بدون تقارب جنسي، أو ممارسة الجنس، والمجاهرة ( بحال سمحت الظروف بذلك) بعدم اهتمامهنّ/م به، وعدم فهم معنى وجوده في العلاقات .

أنـواع الـلاجـنـسـيـة : 

تتخذ اللاجنسية أشكالًا عديدة، وتختلف في حدّتها من شخص لآخر، التفريق الأوّل ينطوي على الشعور بالانجذاب الرومانسي، حيث ينجذب بعض الأشخاص اللاجنسيين عاطفياً إلى شخص آخر، إنهنّ/م يريدون إقامة علاقة عاطفيّة وحياتيّة وثيقة، مع شخص آخر، لكن ليس لديهنّ/م رغبة أو حاجة لإشباع الحاجات الجنسيّة .

وبهذه الطريقة يمكننا تمييز الفئات التالية ضمن اللاجنسيّة :

اللاجنسيات/ين المغايرات/ين heteroromanticism – يتميزون بالانجذاب العاطفي لأشخاص من الجنس الآخر .

اللاجنسيات/ين شبه الجنسيات/ين Demiromanticism – يتميزون بالانجذاب الرومانسي للأشخاص الذين تربطهنّ/م بهن/م علاقة عاطفيّة عميقة .

اللاجنسيات/ين المثليات/ين – homoromanticism يتميّزون بالإنجذاب العاطفي لأشخاص من نفس الجنس .

اللاجنسيات/ين المزدوجات/ين biromantic – يتميزون بالانجذاب العاطفي لكلا الجنسين .

اللاجنسيات/ين اللاعاطفيات/ين aromantic – يتميزون بضعف الانجذاب الرومانسي لأشخاص آخرين بغض النظر عن جنسهنّ/م .

اللاجنسيات/ين العابرات/ين transromanticism – يتميزون بالانجذاب العاطفي للأشخاص ذوي الهويّة الجنسيّة غير المحددة .

اللاجنسيات/ين البانرومانتيك panromanticism – يتميزون بالانجذاب العاطفي اتجاه الأشخاص بغض النظر عن جنسهنّ/م أو هويّتهنّ/م الجنسيّة .

الأشخاص من هذه الفئة في بداية العلاقات العاطفيّة لا ينجذبون جنسيًا للشريك/ة، ولا يشعرون بالمتعة الجسديّة إلاّ عندما تتوثّق علاقتهنّ/م العاطفيّة به/ها، والتقارب الجسدي الحميمي بدون مشاعر مع الشريك/ة، هو أمر لا يمكن تصوّره بالنسبة لهنّ/م .

 هذا السلوك لا يتم تشكيله ولا اختياره بوعي، كما لا يجوز التعامل معه على أنّه مرض أو اضطراب أو عيب، الكثيرون منهنّ/م يكتشفونه لاحقاً بعد خوضهنّ/م للتجارب الجنسيّة بهدف إرضاء الشريك/ة . 

من ناحية أخرى يقسم علماء الجنس، اللاجنسيّة، أيضاً حسب نوع الدافع الجنسي، وبهذه الطريقة يمكننا تمييز أربعة أنواع من الأشخاص اللاجنسيين : 

النوع من الفئة (أ) – يوجد لديهنّ/م دافع جنسي، ولكن لا يوجد انجذاب جنسي اتجاه الآخرين، يعرف هؤلاء الأشخاص أنّه يمكنهنّ/م نظرياً الاستمتاع بالجنس، لكنّهنّ/م لا يرون سبباً لممارسة الجنس مع الآخرين . 

النوع من الفئة (ب) – يوجد لديهنّ/م انجذاب جنسي، ولكن لا يوجد دافع جنسي، ينجذب الأشخاص اللاجنسيّون إلى الآخرين فكريّاً أو روحيّاً أو عاطفيّاً، ويمكنهنّ/م الشعور بالحبّ الطبيعي، والاستمتاع بالتقارب الجسدي، أو العناق، أو التقبيل، ولكن بسبب انخفاض الرغبة الجنسيّة لا يشعرون بالرغبة في التقارب الجنسي الحميمي مع شركائهنّ/م، وممارسة الجنس . 

النوع من الفئة (ج) – لديهنّ/م دافع جنسي، وانجذاب جنسي، وإثارة جنسيّة، و يهتمون عموماً بالتفاعلات الجنسيّة، ولكنهنّ/م غالباً ما يستمتعون به ذاتيّاً (بالاستمناء)، بنفس الوقت نجدهنّ/م قادرات/ون على تنمية مشاعر عاطفيّة أعمق تجاه الشريك/ة، ولكن ومع ذلك فإن ممارسة الجنس معه/ها تبقى أمراً غير وارد، لأنهنّ/م يرون أنّه تجاهلاً لهنّ/م ولجسدهنّ/م . 

النوع من الفئة (د) – يتميّزن/ون بضعف شديد بالدافع الجنسي، والإنجذاب الجنسي، التقارب الجنسي غير مريح لهؤلاء الأشخاص، على الرغم من قدرتهنّ/م على بناء روابط عاطفيّة من خلال الصداقات، إلا أنهنّ/م غير قادرات/ين على الوقوع في الحبّ حقاً، وإضافةً إلى ذلك، غالباً لا يرى هؤلاء الأشخاص الهدف من الحبّ، ولا يفهمن/ون معناه ! 

كـيـف يـصـف بـعـض الـلاجنسيّات/ين مشاعرهنّ/م ؟

ليس من النادر أن يطلب مثل هؤلاء الأشخاص الاستشارات النفسيّة والجنسيّة، في محاولة لفهم خصوصيّة هويتهنّ/م الجنسيّة، لما يلاحظونه من اختلاف عن أقرانهنّ/م، وفي أوقات كثيرة يأتون مدفوعات/ين من شركائهنّ/م الذين/اللواتي يعيرونهنّ/م إما بالبرود الجنسي، أو انخفاض الليبيدو،  أو حتى يشككون بميولهنّ/م الجنسيّة، أو يرمونهنّ/م بتهم أخرى . 

و هذه بعض الأمثلة على لسانهنّ/م : 

” أنا فتاة في السادسة والعشرين من عمري ولا ولم أشعر بالانجذاب الجنسي، نحو أي شخص حتى الآن، على الرغم من أني منفتحة على العلاقات الاجتماعية، ولدي الكثير من الصديقات والأصدقاء، لا أشعر بالحاجة إلى التقارب الجنسي الحميمي، مع أي شخص، كما يتحدث الآخرين عن ذلك، أو كما نرى في الأفلام، بالطبع أشعر بجاذبية عاطفية اتجاه البعض، وأشعر بأنني قادرة على التقرب منه ولكن بدون جنس، سمعت وقرأت عن اللاجنسية وأرغب في فهم هويتي الجنسية أكثر” .

“عندما كنت مراهقاً لم أستطع فهم دافع و رغبة جميع أقراني بممارسة الجنس، كنت في المرحلة الثانوية، واعتقدت أنني لم أنضج بعد، ولكن سيأتي اليوم الذي سأكون فيه كبقية أقراني، ولكن لم يأت هذا اليوم على الرغم من تخرجي منذ أعوام من الجامعة، عانيت كثيراً ولكني أدركت أني لا أشعر بالحاجة لممارسة الجنس، انغلقت على نفسي وأحاول الابتعاد حتى عن علاقات الزمالة، لكي لا يعرف الآخرين بخصوصيتي، ويؤدي ذلك إلى تمييزي أو اعتباري شاذاً، سمعت عن مصطلح “اللاجنسية” منذ مدة،  وعندما قرأت أكثر وجدت أني أتشارك بالكثير من الصفات التي تميز هؤلاء الأشخاص ولكني مازلت أشك في هويتي الجنسية، وخاصة أن الأهل يضغطون علي للزواج، لكوني وحيدهم، ساعدني لفهم نفسي” 

” أنا أم  لطفلين، أنا مطلقة، أنا لم أستمتع بالجنس نهائياً مع زوجي، لم أشعر بأن الجنس ذو فائدة أو أهمية بالنسبة لي، لا بمشاعري ولا بتخيلاتي ولا بعلاقاتي العاطفية قبل زواجي،  أُغرمتُ عاطفياً بشخص وتزوجته بعمر الـ23 واعتقدتُ أني عندما سأتزوج سيتغير هذا الإحساس لدي، وبأني مع الوقت سأشعر بالانجذاب، والرغبة بالتقارب وممارسة الجنس، ولكن لسوء الحظ، لم يأت بأي من أشكاله، كنت كدمية جنسية، أجعله يمارس الجنس معي ليتمتع هو، وكلي أمل أني سأكون مثل بقية النساء، وأشاركه متعته، مع الوقت حملتُ ورُزقت بتوأم ولكني شعرت بعدها بأني غير قادرة حتى على الاقتراب منه جسدياً، ناهيك عن لمسه أو جعله يلمسني، ذهبنا إلى المعالج النفسي المختص بعلاج الأزواج ولكن دون فائدة، اتضح لي أن سبب مشاكلي هو ليس انحفاض بالرغبة الجنسية فأنا لا أمتلكها أساساً، وإن السبب هو هويتي اللاجنسية التي تسمني، انفصلنا لعدم قدرته على تقبلي على خصوصيتي، و أنا أقوم بتربية الأولاد بنفسي، أرجو مساعدتي في تقبل هويتي، والتعايش معها، فأنا على ثقة بأني استطيع أن أكون امرأة وأم سعيدة بدون جنس .” 

وفـي الـخـاتـمـة ..

“اللاجنسيّة” هي ببساطة : إحدى “الهويات الجنسيّة”، وهي لا يجب أن تكون مصدراً للتمييز، أو موضوعاً للعلاج بهدف تغييرها، لأنّها ليست مرضاً، ولا اضطراباً، ولن تتغير، وعلينا تقبّلها، والعيش معها، وتحقيق ذواتنا المهنيّة، والاجتماعيّة، بسعادة ورفاهية .

 وفي حال أنّك تشكك/ين، في كونك تحمل/ين هذه الهويّة، فمن الأفضل استشارة اختصاصي/ة موثوق/ة في علم النفس الجنسي، وهو/هي سيساعدك حتماً .

بقلم الدكتور بسام عويل – اختصاصي اكلينيكي بالصحة النفسية والصحة الجنسية وكذلك بالعلاج النفسي والجنسي، بروفيسور أكاديمي يعمل في جامعات بولندا، .

شارك!