الأسبوع العالمي للمجاهرة.. الإفصاح عن المثلية الجنسية بين الإناث وحضورهن

شارك!

الأسبوع العالمي للمجاهرة.. الإفصاح عن المثلية الجنسية بين الإناث وحضورهن

ما الذي يمكننا أن نتمناه للفتيات والنساء المثليات جنسياً بمناسبة الأسبوع العالمي للإجهار والإفصاح عن مثليتهم الجنسية والظهور والحضور العلني؟ وما الداعي لتخصيص أسبوع للمثليات اللواتي قررن الظهور وأفصحن عن ميولهن الجنسية وما هي أهميته وأهدافه؟

بداية، لأنه ببساطة لكل أنثى مثلية التوجه الجنسي والتي قررت الإفصاح عن ميولها وتوجهاتها وذاتها وهويتها الجنسية الخاصة بهن، الاحتفاء والاحتفال بنفسها وإنجازها أولاً، كما يحق لجميع من يحترم الخصوصيات الشخصية والحقوق بالتنوع أن يشارك هؤلاء الفتيات/ النساء فيه، لأنهن استطعن التغلب على العقبات والصعوبات الجمّة التي واجهتهن واستطعن بشجاعة التعبير عن أنفسهن والمحافظة على أنفسهن كما هنُّ في حقيقة الأمر. لهن ولأمثالهن ترفع القبعة! 

المثليات ما زلن للأسف فئة اجتماعية مهمشة وغير مُتقبلة اجتماعياً بحال إجهارهن وإفصاحهن عن ميولهن الجنسية وخياراتهن لكونهن يشكلن “أقلية جنسية” ويتسمن بانجذاب عاطفي وجنسي تجاه الإناث، وهو ما يجعلهن “لا نمطيات” في علاقاتهن وسلوكهن الجنسي والحياتي في المجتمعات التي ما زالت تحكمها المعايير الذكورية بشكل كبير، وهي المجتمعات الذي تريد لا بل وتفرض على الإناث أن يعشن فيه، وفق ما تعتقده الثقافة الذكورية وتروج له للأدوار والسلوكيات التي يجب على كل ذكر وأنثى أن يمتثل لها بغض النظر عن ميوله وعواطفه ورغباته وحاجاته الخاصة به. 

بسبب رهاب المثلية الجنسية والقوالب النمطية والثقافة والترهيب والعنف والتمييز، فإن العديد من النساء ذوات التوجهات الجنسية المثلية واللانمطية لا يتحدثن علناً ولا يزلن لا يخبرننا عن أنفسهن وعن ميولهن وجنسانيتهن. الكثيرات ما زلن خائفات من كسر “الأعراف الاجتماعية” وما يمكن أن يعانين منه بسبب ذلك بما فيه الخوف على سلامتهم العقلية والجسدية، خاصة وأن الكثير من هذه المخاوف هي حقيقية وواقعية للأسف!

ما الذي ينتظره منظمو هذه التظاهرة وكذلك المثليات اللواتي أجهرن وأفصحن عن ميولهن العاطفية والجنسية، أو لم يقمن بذلك لسبب أو لآخر من الاحتفاء والاحتفال بهذا الأسبوع؟

أكثر ما يمكن انتظاره هو أن يتم تسليط الضوء في هذه المناسبة على المثلية الجنسية بين النساء وعلى الحقوق المدنية لهذه الفئة الاجتماعية عبر سماع أصواتهن وإيصاله إلى الجميع، خاصة وأنهن الأقدر على الحديث عن ذواتهن وتجاربهن وصعوباتهن وأحلامهن وحاجاتهن، وما هو مهم وأساسي بالنسبة لهن، وقبل كل شيء التعرف عن قرب عليهن ومحاولة فهم أفكارهن. وأنا من خلال عملي التثقيفي والعيادي معهن وتواصلي معهن، سأحاول في هذا النص أن أنقل للقراء مختارات من أصواتهن. فلننصت إليهن ونتمعن في شذراتهن ونحاول استيعاب كلامهن:

– أتمنى أن يتم احترام المثليات جنسياً قانونياً واجتماعياً حتى لا يكون لتوجهاتهن النفسية الجنسية مهمًة فيما يتعلق بحقوقهن وفرصهن في الحياة والعمل، لأن مثل هذه المعايير الذكورية التقليدية لا ينبغي تبنيها وتطبيقها. نحن نعيش في القرن الحادي والعشرين وقد حان الوقت حقاً لاحترام التنوع!

– أنا تصالحتُ مع ميولي الجنسية المثلية ومع هويتي الجنسية بعد معاناة من الرهاب والضغوطات الاجتماعية، وأنا الآن سعيدة جداً لنفسي لأني أستطيع العيش بوئام مع نفسي وأتمنى لجميع المثليات تحقيق ذلك!

– استطعت بعد جهد جهيد ومعاناة شخصية فهم أن العادات والتقاليد التي تحكم النساء في مجتمعنا، أساسها الخوف بل الرعب من حرية الأنثى الجنسية، وأدعو جميع المثليات للسعي بكل الطرق الممكنة والآمنة للحصول على حقوقهن وتمكين أنفسهن، وتبادل المعلومات والخبرات فيما بينهن، بهدف نشر الطاقة الإيجابية لبعضهن البعض!

– حقيقة أنني مختلفة بانجذاباتي وميولي الجنسية المثلية عن بقية النساء المغيرات في مجتمعي، فأنا أعتبره مصدر خصوصيتي وقوتي وتفردي وليس ضعفي أو غلطي أو خطيئتي!

– أثق أنني أستطيع تحقيق نفسي بالتصالح مع طبيعتي وميولي والمتعة التي أشعر بها فيها. أثق أني يوماً ما سأجد أعظم حب وسأعيش أجمل السعادة والمتعة بصحبة الشريكة المناسبة لي! ثقي أنتِ أيضاً بذلك ولا تخافي من طبيعتكِ بل حاولي أن تكتشفي تفضيلاتكِ الجنسية وكل ما يجعلك سعيدة بأنوثتك مع الأنثى التي تحبينها وتحبك. تشتهينها وتشتهيكِ. تسعدينها بحبكِ لها وتسعدكِ بحبها لك!

– لا يحق لأحد أن يعترض على الحب بين النساء أو التقليل منه أو تقييمه سلباً أو تنميطه كشذوذ! فالحبّ هو الحب، وليس من الحب ما هو عار أو مُخجل أو أدنى قيمة من غيره فقط لأنه لا ينطبق بمواصفاته على المواصفات والأطر الاجتماعية التقليدية!

وبهذه المناسبة أرى من المفيد أن نحاول التعمق قليلاً في الخلط والأغلاط التي تحيط بالاصطلاحات والمصطلحات والصفات الشائعة التي تُطلق على السلوك الجنسي المثلي بين النساء وتسم هؤلاء الفتيات والنسوة.

السحاقية كسلوك والمثلية كميل وتوجه

المصطلح الأول يعكس ويعبر عن الممارسة الجنسية، أي النشاط الجنسي بين فتاتين أو امرأتين بهدف الوصول إلى التفريغ الجنسي للحاجة الجنسية وإشباعها من قبلهما سوية، أو على الأقل لإحداهن.

وتتمحور السحاقية الجنسية في معظم الأحيان على الرغبة والشهوة الجنسية، وتُمارسها بهذه الصيغة الحرفية والهدف الواضح حتى الفتيات والنساء المغايرات جنسياً بنسبة أكبر من المثليات إما لكونهن مُحبطات جنسياً غير سعيدات في علاقاتهن الجنسية الزوجية مع شركائهن من الذكور، أو لكونهن كنًّ مكرهات بالأصل على الزواج، أو لكونهن لا يستطعن التقارب وإقامة العلاقات مع الذكور والخوف من تلك العلاقات والاستغلال وتشويه السمعة إلخ. الكثيرات من أمثال هؤلاء الفتيات والنسوة يعرفن جيداً أنهن مغايرات بطبيعتهن وبحال توفر الظروف المناسبة فإنهن سيخترن الشركاء الجنسيين من بين الذكور. مجموعة أخرى من أمثال هؤلاء قد يرغبن بالتجريب واختبار المشاعر والأحاسيس التي تحيط بالتقارب الجنسي من أنثى مثلهن، وبالطبع فالبعض الآخر قد يجدون في مثل هذا التقارب الحميمي مدخلاً للحصول على المتعة بشكل آمن، وخاصة أن المجتمع يغض النظر عن تقارب الفتيات والملامسات والاحتضان وحتى الاستحمام والمبيت، ولا يجد في مثل هذه السلوكيات ما هو غير عادي، مما يشكل غطاء آمناً للبعض ويقمن باستغلاله أو الاستفادة منه لتحقيق أهدافهن الجنسية.

أما المثلية فهي ميل عاطفي-جنسي وانجذاب عند الأنثى مكتمل الملامح تجاه أنثى أخرى، ولا تقتصر على الرغبة بالتقارب والممارسة الحميمية الجنسية مع أنثى أخرى فقط، وبحال التقارب الجنسي الجسدي بين المثليات فالأساس فيه هو الرضا المتبادل والمشاعر العاطفية المشتركة والسعادة المنشودة. وليس هناك من نمط أو نموذج واحد لهذا التقارب كما يتم الترويج له في الأفلام الإباحية للسحاقيات والتي يهتم عملياً بمشاهدتها الذكور أكثر بكثير من الإناث، وخاصة من قبل الاناث المثليات جنسياً اللواتي لا تجذبهن مثل هذه الأفلام، لا بل يعتبرنها الكثيرات منهن إهانة للمثلية الحقيقية لكونها تركز فقط على المتعة الجنسية. والميل الجنسي المثلي بهذا المعنى ليس مرضاً أو “شذوذاً”، كما أنه يعبر عما تشعر به الفتاة – المرأة ويعكس افتتانها وانجذاباتها ورغباتها وعواطفها وما تفكر به بالدرجة الأولى وليس ما تفعله.

المثلية الجنسية بين النساء ما بين التخفي والمجاهرة 

المجاهرة أو الإفصاح عن الميل الجنسي يحتاج بالدرجة الأولى إلى جانب الوعي بالهوية الجنسية فهو يحتاج إلى النضج الانفعالي العاطفي والمعرفي والاجتماعي، كما أنه يحتاج إلى الدعم الاجتماعي والتفهم أو حتى التقبل ولو بمستوى ضعيف، أو الحيادية من قبل الآخرين. وهو أمر صعب في مجتمعاتنا الشرقية بسبب أساليب التربية النمطية وغياب أو تشويه التربية والتثقيف الجنسي إضافة إلى الانحياز الأعمى لثقافة التفوق القضيبي الذكوري، التي تقوم بوضع كل المعايير والأحكام المتعلقة بالجوانب العاطفية والجنسية من وجهة نظر ذكورية بحتة، ويتم تسويق المعتقدات بأن كل تقارب عاطفي أو جنسي خارج هذه الصورة النمطية على أنه شذوذ أو فجور أو ما إلى هناك من توصيفات اجتماعية مُسيئة ومُهينة تتوجب المعاقبة، التي تصل بالبعض إلى تحليل ممارسة العنف عليهم وحتى القتل. والأمر المخزي أنه في البلدان العربية والإسلامية لا تحمي القوانين الأشخاص ذوي الاتجاهات والميول الجنسية المثلية من الاضطهاد والاعتداء أو تدافع عن حقوقهم، بل على العكس نراها تقف إلى جانب هذا العنف وتُشرعه!

في ظل هذه الظروف الاجتماعية والقانونية السيئة تحتاج الفتيات والنساء كما يحتاج جميع أفراد المجتمع إلى النضج والوعي عبر التثقيف الجنسي، كما تحتاج الفتيات والنساء اللواتي يشعرن بميولهن الجنسية المثلية أو اللا نمطية عموماً إلى الرعاية والدعم النفسي والاجتماعي لمساعدتهن على اكتشاف معالم هوياتهن الجنسية، وما إذا كانت مثلية كاملة أو مزدوجة أو غير محددة، بمعنى أنهن قد ينجذبن عاطفياً وجنسياً بشكل متساو إلى الذكور والإناث أو قد ينجذبن عاطفياً فقط أو جنسياً فقط إلخ. ومن المهم في مسيرة هذا الاكتشاف أن يتعرفن إلى خصوصيتهن وتفضيلاتهن، وأنهن وإن تقاطعن مع فتيات ونساء أخريات بما يتعلق بالتوجه والافتتان الجنسي، فإنهن يبقين متفردات ولسن مرغمات على تبني نموذج معين للعلاقات أو التقارب أو حتى ممارسة الحميمية الجنسية إن قررن ذلك.

وختاماً، من الضرورة الوعي بأن الجنسانية عموماً هي خاصة وشخصية ونفسية وانفعالية بالدرجة الأولى، وأن الانجذاب والميل والتوجه الجنسي ليس خياراً ولا يمكن لأحد منا اختيار ميوله الجنسية، أما ما يخص بالإفصاح والإجهار لهذا الميل في السلوك والعلاقات والممارسة الجنسية، فهو خيار يعود إلى كل شخص، بالنظر إلى الظروف والإمكانيات والاستحقاقات والنتائج التي تترتب عليه. توقيت الإفصاح والإجهار عن الميول الجنسية المثلية بالتأكيد يٌفضل أن يكون مدروساً وألّا يكون نتيجة نزوة أو ردة فعل معينة.

بقلم الدكتور بسام عويل – اختصاصي اكلينيكي بالصحة النفسية والصحة الجنسية وكذلك بالعلاج النفسي والجنسي، بروفيسور أكاديمي يعمل في جامعات بولندا،