كما نهاية كل عام، وبداية آخر، يسترسل من حولي بالسؤال عن أمنيات العام الجديد!
تتنوع الأماني، وتختلف باختلاف توجهات أصحابها، ومكان إقامتهم، وما ينقصهم، ومايرونه من حقهم!
بعضها صعب المنال، وبعضها سهل الوصول، لكن على أية حال لا يراها أحد كما هي تبدو بعين صاحبها، صاحب “الأمنية”!
فالسهل والبديهي لديك، قد يكون صعب ومستحيل من وجهة نظر أخرى!
وماتراه تافهاً، قد يكون أثمن ما يتمنى أن يمتلكه غيرك!
يحدّثني صديقي على الواتساب عن أمنيته للعام الجديد، فيقول: أتمنى أن انتقل وعائلتي للعيش في “منزل”!
هي أمنية غريبة بالنسبة لكم، وربما لو قال أنّه يتمنى العيش بمنزل أكبر، أو بمنزل في حيّ آخر، لكانت أمنيته منطقيّة ووجيهة بالنسبة لكم!
لكن ماذا إن أخبرتكم أنه يعيش وعائلته في “خيمة قماشيّة” بإحدى مخيمات النازحين، قرب الحدود السورية التركية، منذ أكثر من خمس سنوات ؟
أعتقد أن هذا سوف يجعل الأمر مختلفاً، ويجعلكم ترونها أمنية محقة فعلاً، لكنّها على أية حال صعبة التحقق أكثر مما تتخيلون .. المهمّ أنها أصبحت “أمنية محقّة” من وجهة نظركم، و بالنسبة لكم .
“بالنسبة لكم” ..هكذا اكتب، لأنكم تعتبرون أنفسكم “الحَكَم” في كل شيء!
تحكمون على كل ما يدور حولكم دون أن يكلّف الواحد منكم خاطره، بالبحث والتبيان، بالإحساس والتريّث!
ماذا لو أخبرتكم عن أمنية أخرى، تافهة أيضاً، تافهة للحدّ الذي يجعلكم تغشون من الضحك، ويغشى صاحبها من البكاء!
أنا الذي اكتب هنا، باسم مستعار، أمنيتي للعام الجديد أن يراني البشر من حولي، كائناً يستحق الحياة، يؤمنون باختلافنا المحقّ، والطبيعي جداً، ويتوقفون عن المطالبة بقتلي، أو على الأقل عن إرغامي على الكذب والتمثيل أمامهم، كي أبدو نسخة طبق الأصل، عنهم!
هل سمعت بأمنية تافهة أكثر من هذه من قبل؟
أنا مثلي الجنس، وإن كان ذلك يسبب لك الغثيان والقرف، لا بأس، اذهب واستفرغ، ثم عد للقراءة، أرجوك أن تقرأ، أن تشعر، أن تتمهّل قبل إطلاق الأحكام العشوائية التي تتقنها!
لم يكن ذلك باختياري، أقسم لك يا صديقي أنّني لم استيقظ ذات صباح، وأقف أمام المرآة، وأقرر بملىء إرادتي أن أكون كذلك!
لم اقرأ في الفنجان الذي شربته بعد أن تأملت نفسي في المرآة، أنّ حياتي ستصبح “ورديّة” في حال قررت أن أتحول إلى مثلي!
كانت أمي توبّخني عندما تراني أقلب فنجان القهوة، وتقول بأن قراءة الفنجان “شغل مجانين”، وترغمني على حمل الفنجان للمطبخ وغسله، أمي ترغمني على كثير من الأشياء، لكنّها لم ترغمني يوماً بأن أكون “مثلياً”، أقسم لك يا صديقي!
فمنذ أن ولد الحبّ في داخلي، ولد هكذا، على ما أنا عليه الآن، لم أروّضه، ولم توجّهه أي مشاكل عائليّة، ولم ينتج جراء اغتصاب تعرّضت له في مرحلة الطفولة، ولم أتناول عشبة “المثلية” السحرية، لم يحدث كل ذلك، بل هذا كلّه طرح عشوائي، لمحاولة إيجاد مسبب للمشكلة التي لا أرى أنا أنها “مشكلة”، وتراها أنت مشكلة بحد ذاتها، بل قضيّة، تضعني فيها ندّاً لك .
انظر من حولك، هنالك الكثير من القضايا التي تستحق أن تخوض فيها، تغضب لها، وتحارب من أجلها، لكنني أنا لست قضيّة!
ماذا لو أخبرتك أنّني “مثلي”بشكل سهل وواضح وبديهي جداً، كما لو أني أخبرك عن امتلاكي لعينين وحاجبين فوقهما!
ستقول هذا ما أملكه أنا أيضاً، فأين الغريب بذلك!
معك حق ..
إذاً ماذا لو أخبرتك -مثلاً- بأنني أملك “شامة صغيرة” على رقبتي من الجهة اليسرى!
ستقول هذا ما لا أملكه أنا، لكنّه أيضاً لا يسبب مشكلة لدي، ولا دخل لي به .
أحفظ كل تلك الإجابات عن ظهر قلب، لكن بربك قلي لي، ما هي المشكلة الحقيقية التي يسببها ميولي بالنسبة لك!
لا تخف، لن أختارك شريكاً جنسياً لي، لأنك مغايراً ولست مثلياً، ولن أخطط في إفشال علاقاتك مع الفتيات لأحظى بك وحدي، لأنك -مرة أخرى- مغايراً ولست مثلياً!
وأؤكد لك أنها لن تنتقل إليك هذه العدوى، في حال كنت ترى أن المثلية مرضاً، وهذا ما ينفيه الطب والعلم، وستبقى مغايراً، كما اخترت بنفسك .
لحظة واحدة، هل اخترت أنت ذلك ؟
أجبني بربك!! هل اخترت أن تكون مغايراً ؟
تمهّل بالإجابة ولا تندفع كما كل مرّة، فهنا الأمر يخصّك أنت، ليس الآخر!
سامي الأغباشي,كانون الأول ٢٠٢٢م
شمال سوريا .