من سوريا إلى تركيا: رحلة حقيقة مخفية

المصدر: مجلة ماي كالي

بقلم: لارا بيلوني دي ألتافيلا
ترجمة: نوارة ب.
العمل الفني: 
عود نصر

عندما يفر معظم أفراد مجتمع الميم السوريين إلى تركيا فإنهم لا يفعلون ذلك بحثًا عن الأمان بسبب ميولهم الجنسية، لكنهم يفرون بحثًا عن الأمان من العنف والصراع الذي استمر في سوريا لأكثر من 10 سنوات، النزاع المستمر ترك 2.8 مليون نازحًا داخليًا في شمال غرب سوريا حيث وصلت منظمة الأمم المتحدة والمنظمات غير الحكومية الأخرى لتقديم المساعدات الإنسانية من خلال آليات عبر الحدود، ويقع شمال غرب سوريا تحت سيطرة جماعات مسلحة غير نظامية في شمال محافظة حلب وسيطرة الجماعة المسلحة المتطرفة -هيئة تحرير الشام- في منطقة إدلب، تنحاز هيئة تحرير الشام إلى حكومة الإنقاذ السورية وهي حكومة بديلة تابعة للمعارضة السورية في محافظة إدلب، وللحكومة التركية هناك قوات تؤثر على نظام الحكم في المنطقة وتحافظ على اتفاق وقف إطلاق النار.

يعيش النازحون داخليًا في خوف من بطش الحرب ومن العيش تحت قبضة هيئة تحرير الشام أيضًا حيث تقوم باستغلال الدين لجني الأرباح وتجنيد الأطفال في قواتها، ويلغي ذلك شعور الأمان لدى الجميع لا سيما أفراد مجتمع الميم، وحتى عند انتقالهم إلى تركيا فإنه من غير الآمن للسوريين منهم أن يكونوا منفتحين بشأن جنسانيتهم لأنهم سيواجهون الغير من قراهم ومدنهم الأصلية. ولا يتم الترحيب باللاجئين السوريين في مجتمعاتهم التي أعيد توطينهم فيها حديثًا ضمن المجتمع التركي حيث تستخدم الحكومة والمعارضة التركية اللاجئين لخدمة أجنداتهم السياسية في الانتخابات، مما يحول دون شعور أفراد مجتمع الميم بالأمان، يعيش أغلب أفراد مجتمع الميم السوريين “حياة مزدوجة” خوفًا من “فضحهم” ويُجبر الكثيرون منهم على إقامة علاقات بين الجنسين تؤدي إلى زيجات غير سعيدة، ومع ذلك لم يكن هذا هو الحال بالنسبة لـ Locked.

لوكد هو مدافع عن مجتمع الميم وعامل في المجال الإنساني أصله من شمال غرب سوريا ولكن أعيد إسكانه في غازي عنتاب في تركيا عام 2020.، كان الفرار من سوريا بالنسبة له مسألة حياة أو موت نظرًا لعدد التهديدات التي تلقاها لكونه مثلي الجنس بشكل علني، وأراد البقاء في سوريا لمواصلة عمله في مجال حقوق الإنسان مع المجتمعات المدنية موضحًا: “كنت سأحب البقاء في بلدي وكانت والدتي دائمًا تسأل عن سبب رغبتي في البقاء، لكن ذلك كان لأنني لم أستطع مغادرة مجتمعي. عندما تدافع عن حقوق الإنسان تكون أكثر تفانيًا كلما كنت قريبًا من المجتمع. كافحت بجد للبقاء”.

عمل لوكد في مجال حقوق الإنسان لفت انتباه هيئة تحرير الشام، وفي عامي 2016 و 2018 اختطفته هيئة تحرير الشام وعذبته لكونه مثليًا ولعمله في مجال حقوق الإنسان، قال لوكد أنه عندما يتم اكتشاف مثلية شخص ما في سوريا فإنه عادة ما يُقتل، لكن هيئة تحرير الشام قررت عدم قتله لأنها افتقرت إلى أدلة تشير لارتكابه جريمة، وبدلاً من ذلك قاموا بضربه لدرجة أنه تم إرساله إلى وحدة العناية المركزة بالمستشفى. “لقد عولجت من كسور خطيرة وكدمات تعرضت لها في جسدي وكذلك في وجهي، كان الألم لا يطاق ولم أكن أعرف ما إذا كنت سأنجو”. لم يكن الاختطاف والتعذيب المعاناة الوحيدة التي تعرض لها في سوريا، فقد واجه مضايقات مستمرة وملاحقات أمنية ودعوات للتحقيق والمراقبة وانتهى به المطاف إلى مغادرة سوريا بعد أن أبلغه صديق له أن هيئة تحرير الشام تريد قتله. “هربت، ركضتُ في منتصف الليل لإنقاذ حياتي واضطررت للعبور بشكل غير قانوني إلى تركيا”.

العمل الفني: عود نصر

شعر لوكد بالأمان أكثر كشخص من مجتمع الميم بعد فراره من سوريا والانتقال إلى غازي عنتاب في جنوب تركيا ويرجع ذلك جزئيًا إلى دستورها العلماني، وأوضح أنه على الرغم من أن سوريا لديها دستور علماني أيضًا إلا أن مبادئ حقوق الإنسان التي يحددها الدستور لا يتم دعمها من قبل الحكومة أو من المجتمع، بالإضافة إلى ذلك لا توجد في تركيا جماعات متطرفة تمارس العنف مثل هيئة تحرير الشام، وتعقيبًا على ذلك أوضح لوكد: “هذا لا يعني عدم تواجد العنف ضد أفراد مجتمع الميم في تركيا؛ كل ما في الأمر أنهم في سوريا أكثر عرضة للقتل”.

أحد الأمثلة على ما يجعل تركيا أكثر أمانًا لأفراد مجتع الميم هو إثارة الجماعات المتطرفة الخوف من خلال تطبيقات المواعدة للمثليين، فالتطبيقات الموجودة في تركيا أقل استخدامًا في سوريا لأنه من المعروف أن المتطرفين يستخدمون هذه المنصات للقبض على أفراد مجتمع الميم وابتزازهم، وقع لوكد ضحية لهذا الشيء: “هدد شخص ما بنشر إحدى صوري إلا إذا دفعت له مبلغًا ماليًا، لذلك قررت أن أنشر الصورة بنفسي، تلقيت ردة فعل استنكاري شديد لكنني رفضت أن أُبتز لكوني أنا”. إن مواجهة الابتزاز بهذه الطريقة ليس خيارًا للكثيرين لأن الظهور كمثلي في العلن يمكن أن يكون حكمًا بالإعدام ويضطر معظمهم لدفع الأموال للمتطرفين بسبب ذلك.

حتى بعد انتقاله إلى غازي عنتاب، لم يجد لوكد مساحة لمثليته بسبب الصدمة المركبة المرتبطة بالحرب وهويته الجنسية ونقص الدعم والحماية للاجئين من مجتمع الميم، غازي عنتاب هي موطن لما يقارب نصف مليون سوري (معظمهم من حلب وإدلب) وتستضيف عددًا من المنظمات غير الحكومية الدولية والمحلية السورية العاملة على المساعدات عبر الحدود إلى شمال غرب سوريا، ومع ذلك لا توجد منظمات خاصة بمجتمع الميم تعمل من أجل حقوق وحماية المجتمع. اكتشف لوكد أنه عندما يتعلق الأمر بطلب المساعدة في غازي عنتاب فإن المنظمات غير الحكومية التي تهدف إلى تقديم الدعم غير مجدية، المنظمات غير الحكومية الدولية في غازي عنتاب التي تقدم خدمات الدعم لأفراد مجتمع الميم السوريين أثبتت عدم كفائتها بسبب اقتصار التركيز في الغالب على علاج الصدمات والمساعدة المالية، وتظهر أوجه القصور في طلبات إعادة توطين أفراد مجتمع الميم السوريين المعرضين للخطر حيث يتعين على العديد منهم الانتظار سنوات لتلقي الرد. رغم التهديدات المستمرة لحياة لوكد والتي أبلغ عنها العديد من المنظمات غير الحكومية في غازي عنتاب، لا يزال في عملية إعادة التوطين، واتصل بمنظمة غير حكومية دولية معروفة عبر خط المساعدة الخاص بهم على WhatsApp لكنهم لم يردوا أبدًا. يعتقد لوكد الذي يعمل في القطاع الإنساني أن هذه المنظمات تضم أفرادًا سوريين من مجتمع الميم كفئة ديموغرافية مستهدفة في برامجها لعرض ذلك على الراعين الماليين لكنها في الواقع لا تقدم لهم سوى القليل من الدعم النفسي والمالي.

أما بالنسبة للمنظمات السورية غير الحكومية العاملة في غازي عنتاب، فهي لا تبدي أي اهتمام بمساعدة مجتمع الميم السوري، ووجد لوكد أن هذه المنظمات معادية للمثليين على الرغم من وجود قواعد سلوك شاملة تدعم مبادئ حقوق الإنسان لعرضها على الجهات الداعمة ماليًا، في الواقع تم فصل لوكد من منصبه في منظمة غير حكومية محلية لكونه مثلي الجنس وقال إن ما تحتاجه المنظمات غير الحكومية العاملة في غازي عنتاب حقًا لتقديم دعم حقيقي لمجتمع الميم هو أن تكون أكثر شمولاً مقترحًا على المانحين تخصيص عدد من الفرص الوظيفية للنساء وأفراد مجتمع الميم وإلا حجب تمويلهم عنهم.

وعلى المستوى الوطني يُظهر قرار تركيا في مارس 2021 بالانسحاب من اتفاقية اسطنبول عدم اهتمام الحكومة بتوفير الحماية للنساء ومجتمع الميم، كان الهدف الرئيسي لاتفاقية اسطنبول مكافحة العنف ضد جميع النساء – بغض النظر عن ميولهن الجنسية أو توجههن الجندري أو وضعهن كمهاجرات – وتوفير خدمات الحماية التي تستجيب للناجيات من العنف، كانت تركيا أول دولة توقع على اتفاقية اسطنبول في عام 2011 تليها أكثر من 40 دولة أوروبية  وأول دولة انسحبت بحجة أن الاتفاقية “طبّعت المثلية الجنسية” وهذا ما “يتعارض مع القيم الاجتماعية والعائلية لتركيا”.

وقال لوكيد غير متفاجئٍ بانسحاب تركيا أن “اتفاقية اسطنبول خدمت تركيا كأداة تسويقية تظهر أنها تقدر المبادئ الديمقراطية وحقوق الإنسان في الاتحاد الأوروبي، لكن في السنوات الأخيرة فقدت تركيا الاهتمام بالانضمام إلى الاتحاد الأوروبي لذلك قررت الحكومة المغادرة على حساب النساء”. ومع ذلك أوضح أنه على الرغم من جهود تركيا الفاترة لدعم مبادئ اتفاقية اسطنبول باعتبارها دولة موقعة وفعالة بشكل محدود (استمرت معدلات قتل الإناث في الزيادة في السنوات الأخيرة) إلا أن لها هدف: “اتفاقية اسطنبول لم تكن كافية لإيقاف العنف ضد النساء أو أفراد مجتمع الميم لكنها كانت موجودة على الأقل، كان يبدو أن هناك اهتمام في محاسبة الجناة على العنف ضد المرأة بما في ذلك النساء من مجتمع الميم، لكن الآن أصبحت وسيلة للتمييز ضد المساواة بين الجنسين وحقوق مجتمع الميم”.

مع ذلك لاحظ لوكد بالفعل تحولًا في المعاملة تجاه أفراد مجتمع الميم بعد الانسحاب من اتفاقية اسطنبول، “في البداية عندما أتيت إلى تركيا العام الماضي، كان هناك خطأ في بطاقة الحماية الوطنية الخاصة بي وحددت أنني كنت جزءًا من مجتمع الميم أثناء تصحيح الخطأ، وقد ساعد هذا في تسهيل العملية بسبب مبادئ اتفاقية اسطنبول. ولكن الآن يمكن أن يؤذيني ذلك في المستقبل”، يتأثر الأشخاص السوريون من مجتمع الميم في تركيا بشكل مباشر بالانسحاب مما يزيد الظروف الصعبة التي يواجهونها بالفعل.

العمل الفني: عود نصر


تختلف قصة تهجير كل سوري عن الآخر وتنطوي على أنواع مختلفة من المعاناة، لكن قصص العديد من أفراد مجتمع الميم السوريين ما زالت غير مسموعة وتتعرض حياتهم للتهديد المستمر على الرغم من سعيهم للجوء، اعتقد لوكد كما غيره من المثليين السوريين الذين هاجروا أنه ربما سيتسنى له أن يكون على طبيعته ويتلقى خدمات الحماية في تركيا لكنه لم يجد شيئًا بسبب فتور جهود المنظمات غير الحكومية وتحول الإجراءات السياسية في تركيا. 

وشارك لوكد “لا يستطيع الكثيرون فهم النضال المستمر من أجل قول أنا هنا وأستحق أن أعيش. أصعب شعور في العالم هو الخوف من أن تُقتل بسبب تعبيرك عن حقيقتك”، ولكن على الرغم من القمع المستمر والخوف الذي يعيشه أفراد مجتمع الميم السوريين وعدم قدرتهم على المشاركة في المساندة بسبب مخاوف حول العلنية والسلامة، فإن لوكد يشعر بالراحة في معرفة أن هناك العديد من المؤيدين الغيريين لأفراد مجتمع الميم -“إن معرفة أن هناك أشخاصًا في هذا العالم يهتمون بمجتمعنا يحفزني على مواصلة الدفاع عن حقوقنا.”

يُجبر أفراد مجتمع الميم السوريين على التعامل مع صدمة الحرب والنزوح، وأيضًا التعامل مع الخوف من اكتشافهم في تركيا كجزء من عملية إعادة توطين مستنزفة ذهنيًا. يجب على المزيد من المنظمات التركيز على تقديم حماية محددة وخدمات لأفراد مجتمع الميم السوريين حتى يتمكنوا أخيرًا من التعبير عن حقيقتهم بدلاً من الاستمرار في حبسها داخل أنفسهم.

شارك!