ما هو فن الجر؟ الدراغ كينغ “زازا” يكتب: عن أهمية الصدق مع الذات وتقبلها

فن الدراغ أو الجر ليس مجرد لباس نرتديه أو مواد تجميلية نضعها، إنما هو ثورة على أنفسنا أولا، ثم على القوالب النمطية المتجذرة بنا، ما هما إلا مساحتان للتعبير عن الهوية، لا قواعد موحدة له وبرغم تعدد أشكاله فإن ذلك لا يعد تقسيما أكثر من كونه تداخلاً! 

وإلى جانب أهميته الكامنة في تحدي ذواتنا الداخلية والتصالح معها، يوظف فن الجر  أعماله لتقوم بطرح ومعالجة قضايا مجتمعية، لكن! بطريقته الخاصة. المبالغة في الطرح والإصرار على فتح تابوهات حظر المجتمع مناقشتها على العلن، لا سيما تلك المتعلقة بقضايا النوع الاجتماعي والتعدد الجندري، لهما غاية واضحة، طرح الأسئلة دون مواربة وبمباشرة قد تبدو حادة ربما!، ولعل هذا ما يميز الجر عن غيره من الفنون.

نشأة الجر بشكله الحديث وأشكاله: 

واحدة من القصص التي تروى عن نشأة فن الجر وعلى وجه التحديد ما يعرف بالدراغ كوين هو أن النساء في القرنين السادس عشر والسابع عشر منعن من مهنة التمثيل فكان الرجل بديلا عنها في أداء الأدوار المسرحية النسائية، من خلال ارتداء فساتين طويلة جرت العادة على أن يقومون بجرها وراءهم ومن هنا جاءت التسمية، فن الجر أو السحب والذي كان وسيلة لفئة من الذكور المثليين للتعبير عن جوانب أخرى منهم. 

بالمقابل، انتشر الدراغ كينغ وهو فن الجر المرتبط بتجسيد الذكورة، فقد كانت بدايات انتشاره في مجتمعات لم تسمح للنساء بالدراسة أو العمل، ما كان دافعا لهن للعب أدوار الرجال، وفي سنة 1800 دخل هذا المفهوم إلى المسرح. 

لفناني/ات الجر أنواع أو أشكال، قد يعبر كل شكل منها عن هوية الفنان الجندرية، حيث نرى أنه غالبا وليس حصرياً ما يقوم الرجال بالقيام بعروض الدراغ كوين وبالمثل غالباً وليس حصريا ما تلعب النساء أدوار الدراغ كينغ، وهناك أيضاً الدراغ كوينغ أو الدراغ كوير وهذا النوع يعبر عن هوية جندرية ثالثة غير محصورة بالكامل بالذكورة أو الأنوثة، يمكن القول إنها مزيج بينهما أو منفصلة عنهما تماما. وهذا التنوع مرة أخرى لا يعد تقسيماً إنما تجسيدا صريحا لتداخلات الهويات الجندرية فيما بينها. 

الدّراغ كينغ والدّراغ كوين في الدراما والرسوم المتحركة: 

سنجد الدراغ كينغ والدراغ كوين بوضوح في الدراما العربية، مع ظهور عدة أمثلة لشخصيات جسّدت مفهوم الدراغ، سواء من خلال التنكر بزي الجنس الآخر لأسباب درامية أو تعبيرا عن كوميديا ما من وجهة نظر صاحب العمل.

وعلى سبيل المثال لا الحصر، أورد مسلسل الفصول الأربعة الذي أخرجه الراحل حاتم علي والذي لا يزال يحظى بمتابعة عربية، عرضا غاية في الروعة يدخل في خانة الدراغ كينغ، تحديدًا حلقة كان عنوانها: “يا واد يا تقيل”، حيث قامت مجموعة من الفتيات بالتنكر بزي أفراد عصابة رجال، لتسهيل عملية اختطاف بطل الحلقة “مازن”.

أيضاً في الدراما الخليجية، قدّم الممثل ناصر القصبي في مسلسل طاش ما طاش شخصية أنثوية تُدعى سوزان الأعمش، حيث لعب دور امرأة بطريقة ساخرة وكوميدية.

هناك أفكار مشابهة قدمتها السينما المصرية كذلك، نذكر منها فيلم “أريد حلًا”، وتدور أحداثه حول سيدة لعبت دورها الفنانة فاتن حمامة تضطر للتنكر كرجل لتتمكن من دخول المحكمة ومتابعة قضية طلاقها، في إسقاط واضح على القيود القانونية التي تواجهها النساء آنذاك في مصر. كما جسدت الفنانتان سعاد حسني ونادية لطفي في فيلم “للرجال فقط” شخصيتين تنكّرتا في هيئة رجال من أجل العمل في مجال هندسة البترول، الذي كان حكرا على الرجال في ذلك الوقت.

أما في عالم الرسوم المتحركة، فقد عُرضت شخصيات مشابهة عبر منصات شهيرة مثل ديزني وسبيستون، أبرزها فيلم “مولان”, حيث تتنكر البطلة بزي رجل للانضمام إلى الجيش، كذلك مسلسل ينبوع الأحلام الذي يتحول فيه البطل “نور” إلى امرأة ليخلق ذلك أمامه/ا تحديات هوياتية إضافية. 

الدراغ بوصفه تفكيكا للقيود الجندرية: 

الحديث عن الدراغ أو فن الجر يختلف تماما عن الفنون السينمائية والمسرحية التقليدية، لأن فنان/ة الدراغ يعيش تجربته على المسرح كجزء من هويته وهو قادر على تفكيك مفاهيم مثل الجندر والهوية بطريقة حرة ومستقلة بالكامل. 

على الصعيد الشخصي! ساعدني الدراغ بالتدريج في فهم نفسي أكثر، كشخص لا ثنائي الجندر، وفي تفكيك القيود الجندرية التي فرضها المجتمع ولا زال بعضها مترسّبا داخلي. 

أثناء الدراغ يمكن أن أكون الشخص الذي أريد، أن أظهر جوانب من شخصيتي لم أتقبلها لكي أتصالح معها، يمتد تأثير ذلك في عيون الجمهور المتلألئة بنظرات الإلهام. أثناء وقوفي على المسرح تتشكل صورة جسر في خيالي يمنح للجمهور ما لدي من ثقة وقوة، يحمل رسالة عن أهمية الصدق مع الذات وتقبلها. 

تبين لي بالسنوات الأخيرة ومن خلال وسائل التواصل الاجتماعي أن الاهتمام بفن الجر آخذ بالتزايد في شارعنا السوري، ربما يكون الوقت مناسبا لتسليط الضوء أكثر على عالم الدراغ وأهميته باعتباره وسيلة فعالة للتعبير والتغيير في مجتمعاتنا.

وافي – فنان تشكيلي سوري كردي ومؤدي دراغ وناشط كويري 

شارك!