لطالما كنت أبحث عن مكانٍ لي داخل الطيف الإنساني الواسع، حيث الهوية تُشكّل نفسها بحريّة دون قيود، كنت ألاحظ واستمع للمحادثات التي تدور حول الحبّ، الانجذاب، والرغبات، ولم أجد انعكاسا لي في تلك الصور، وكأنني ألعب دورً في مسرحية لا أدرك حبكتها!
هوية تبحث عن مكانها: بين الحضور والاختلاف
كنت أراقب أصدقائي يتحدثون بشغف عن مشاعرهم تجاه الفتيات، وعن نظرات الإعجاب، وتلك القصص الأولى عن الحب، كنت أصغي وابتسم، لكن داخلي كان محايداً تجاه ذلك الشعور الذي يبدو طبيعياً للجميع!
أذكر موقفاً في المدرسة، عندما أصرّ أحد زملائي أني بالتأكيد أُخفي مشاعري تجاه إحدى الفتيات من حولنا، نظرت إليه يومها وأجبت: “اي طبعاً، بس مارح قلك، هاد سرّ” كم وددت أن أفشي به يومها، وكنت أعرف أن الأمر ليس مسألة وقت، بل مسألة هوية كنت أسعى لفهمها.
هوية صامتة وسط الضجيج
في طريق البحث عن فهم الذات، واجهت أسئلة لا تنتهي، “كيف يمكن أن تكون اللاجنسيّة حقيقية؟ ألا يعني ذلك أني فاقد للحب؟” كان هذا السؤال يرافقني كظلي في كل حوار عن الحب، ينبع من داخلي، يدق باب رأسي، ويثقل روحي، لكنه دفعني نحو فهم أعمق، لأكتشف أن الحب يتجاوز الجسد، وأن الانجذاب الرومانسي والعاطفي يمكن أن ينبت ويزهر بعيداً عن القيود أو القواعد الجنسيّة.
بينما كنت أبحث عن تفسير لاختلافي، صادفت مصطلح “اللاجنسيّة” شعرت حينها وكأنني عثرت على خريطة ترشدني لاستكشاف وفهم نفسي أكثر، بدأت بقراءة كل شيء يمكنني العثور عليه حوب اللاجنسيّة. كل كلمة كنت اقرؤها كانت تضع قطعة جديدة في أحجية هويتي، “قطعة قطعة”!
اللاجنسيّة ليست الغياب، بل هي حضور مختلف، هوية صامتة، غالباً ما تكون غير مرئية، وبدون ضجيج، ليست نقصاً بل اكتشافاً لطريقة فريدة للحب وسياق العلاقة.
لقد كانت اللحظة التي قررت فيها أن احتضن اللاجنسيّة كهوية لي، هي اللحظة التي شعرت فيها بالفخر والقبول لذاتي، اللاجنسيّة جزءٌ مني، مثل الكلمات التي اكتبها هنا، مثل الأحلام التي أحياها، واحفظها في قلبي، واعترافي بهذه الهوية يمنحني القوة، بيني وبيني، وبيني وبين الآخر، إن قرر أن يستوعب ويفهم ذلك!
يا قلبي لا تتعب قلبك!
“الحب ليس كما يعرفه الجميع، لكنه الحبّ مهما يكن” هذه الجملة فلسفتي اليوم، قد لا أشعر بالرغبة الجنسية، لكنني أحب، أحب بعمق، أحب بروح مليئة بالعاطفة، أحب بكلّي، وأعرف جيداً كيف أحب، اللاجنسيّة ليست فراغاً على الإطلاق، بل هي طريقة فريدة لرؤية العلاقات والمشاعر، والحب.
وفي كل مرّة، يراودني من حولي بالسؤال عن تأخري أو عزوفي عن الزواج أو الارتباط، أجيبهم أو لا أجيبهم، ابتسم أو لا ابتسم، لكن حتماً يقفز في رأسي صوت فيروز: “يا قلبي لا تتعب قلبك،..ياقلبي اللي متل فراشة حول القناديل، لا بتعرف وهج النار، ولا بتكفي المشوار، وملبّك بالحب ملبّك”.
سامي الأغباشي – ناشط كويري