هناك خيوط غير خفية تربط بيننا!: النضال على نظام يفرض على الجميع أن يكون/تكون نسخة مكررة. نظام يخشى خروجنا عن أنماط “الذكورة المهيمنة” أو “الأنوثة المطيعة”. فكما تحارب النساء كي لا تختزل إلى جسد أو دور اجتماعي ضيق، يحارب/ تحارب أفراد مجتمع الميم ع كي لا يختزلون/ تختزلن إلى توجهات جنسية أو هويات جندرية. هذا ما خلصت إليه أجوبة المتحدثين/ات في مؤتمر عقدته حركة حراس المساواة في بروكسل قبل أقل من عام حيث كان بحضور كويري نسوي لافت.
التقاطعية النسوية: كيف تضاعف الهويات المتداخلة من التحديات:
بُدء باستخدام مصطلح التقاطعية النسوية في الثمانينيات بعد أن وضعته الباحثة الأميركية “كيمبرلي كرينشو” لتشرح كيف يمكن أن يؤدي التداخل في الهويات في توليد أشكال إضافية من التمييز والاضطهاد. تعرفه “كرينشو” بالقول: “ليست التقاطعية مجرد فكرة عن التعددية، بل هي اعتراف بأن القمع يأتي بأشكال مختلفة”. وتضرب مثالا عن الاختلاف في تجربة التمييز والاضطهاد بين “امرأة أمريكية سوداء وأخرى بيضاء”.
في السياق الكويري: تختلف تجربة عابرة من رجل إلى أنثى في المجتمع السوري عن تجربة أنثى مثلية. وبالمثل، تختلف تجربة فرد مثلي/ة من ذوي/ ذوات الهمم عن تجربة فرد مثلي/ة لا يعاني/ تعاني من مشاكل صحية.
وتكمن أهمية التقاطعية من كونها تكشف أن التمييز والاضطهاد ليسوا مبنيين على ثنائيات بسيطة (ذكر أو أنثى) إنما هي هرميات معقدة ومتداخلة فيما بينها. وفي هذا الإطار يشير باحث وأكاديمي سوري وهو من أفراد مجتمع الميم ع، في حديث معنا إلى اختلاف في درجات المظلومية التي يعيشها/ تعيشها النساء وأفراد مجتمع الميم ع، ورغم التشابه والتشابك في آليات القمع الموجهة ضد الطرفين، يصنف الفروق في التجارب على مستويين، قانوني: “المرأة غير منصفة، مكبلة، مقيدة، حقوقها مقتضبة وغير كاملة، والقانون في سوريا لا يحميها. بينما يجرّم أفراد مجتمع الميم ع بالكامل من قبل القانون”.
كذلك على المستوى الفردي تختلف درجات التمييز والاضطهاد الموجه إلى أفراد مجتمع الميم ع، عن الموجه للنساء من وجهة نظر الأكاديمي السوري: “في العائلة الواحدة مثلاً: يمكن القول إنه هناك أفراد تعطي مساحة للمرأة بشكل كبير، وآخرون يؤيدون تكبيلها، بينما تزيد احتمالية تعرض أفراد مجتمع الميم ع للعنف والنبذ والاضطهاد من قبل أفراد العائلة والأقارب ما إذا جاهروا/ جاهرْنَ بهويتهم/ن الجندرية.
يوم المرأة.. سلسلة من العنف المستمر و”لا وجود نسوي في الداخل”:
يتميز يوم المرأة العالمي هذا العام في سوريا كونه الأول بعد سقوط نظام الأسد، هذه المناسبة هي للتذكير بتضحيات المرأة السورية التي عانت وقدمت الكثير على مدار 14 سنة، يقول الباحث السوري إنه من الضروري “إنصاف المرأة السورية والتذكير بالتهميش الذي تتعرض له”. وبينما أن التغيير عملية تراكمية ومعقدة وطويلة وخارجة عن دوائر السيطرة الفردية، يجد شبه غياب لأي حراك أو نشاط نسوي في الداخل السوري وهو ما يؤثر بدوره على حالة أفراد مجتمع الميم ع:
“نتعاطف كأفراد مجتمع الميم ع مع مظلومية المرأة بشكل كبير ولكن لا نجد نفس التعاطف من قبل المرأة. ندافع بشراسة لأننا نعتقد بأنه إذا تم إنصاف المرأة سننال شيئا من العدالة”.
استشهد الباحث في شرح هذه النقطة بأحداث العنف الأخيرة ضد عابرات سوريا حيث صدرت ردات فعل مؤيدة للعنف كانت من قبل نساء: “الغريب أن المرأة السورية أحيانا لا ترى أن مجتمع الميم ع مستضعف ومهمش. أي أن المرأة التي يجمعها الاضطهاد مع المثليين/ات تنخرط في توليد الاضطهاد الموجه إلى أفراد الأقليات الجنسية والجنسانية باعتبارهم/ن الحلقة الأضعف” ولذلك يجد أننا في سوريا وسط سلسلة طويلة من العنف وتحتاج وقتا طويلا إلى تفكيكها.
إذاً، تواجه كل من النساء وأفراد الأقليات الجنسية والجنسانية في سوريا تحديات مشتركة وتداخلاً في آليات القمع الموجهة باعتبارهم/ن خارجين/ات عن المعايير “الأخلاقية” للذكورية. تتشابك تجاربهم/ن ضمن أوجه متعددة وتتقاطع في خطاب مُنطلقَهُ: تحرير المرأة يبدأ من تحرير الهويات الجندرية.