المثلية في حضارات سوريا والعراق القديمة: مباركة دينية وامتياز في القانون

يقول سبتينو موسكاتي صاحب كتاب الحضارات السامية القديمة إن “الحضارة اليونانية رغم أصالتها بجملتها لكنها تدين بكثير من أفكارها لشعوب أرض بلاد الرافدين”.

بالمقابل، يجادل الكثير ممن يهاجمون المثلية ويعدونها “ظاهرة” أن تاريخنا لم يكن متسامحاً معها وأن رفضها “فطرة” بشرية ومن يمارسها خارج عن هذه “الفطرة” وأنها “فكرة غربية”، قد لا يعرف هؤلاء أن قوانين وثقافات حضارات منطقتنا قديماً لم تحظر المثلية أو تعاقب مرتكبي/ات العلاقات من نفس الجنس، بل حتى في بعض الأحيان أعطت أفرادها الأقوياء من الذكور مكانة اجتماعية وامتيازات قانونية. 

الوصول إلى هذه النتيجة ليس صعباً إذا تتبعنا ما خلص إليه علماء الآثار واللغات القديمة والمؤرخين وغيرها من علوم إنسانية، وجدوا بشكل واضح من خلال النصوص الأدبية والنقوش المسمارية أنه لم يتم تجريم المثلية أو تحريمها عند بعض حضارات منطقة سوريا والعراق القديمة.

قانون الحثيين في شمال سوريا والمثلية: 

وفي مقالة بعنوان “المثلية بين الحثيين” لعالم الحثيات هنري هوفنر نجد أن القانون الحثي الذي اتبعه الحثيون الذين حكموا منطقة الأناضول وشمال سوريا لم يمنع المثلية، وهذا نص القانون الحثي الذي استند إليه هوفنر: “إذا انتهك الرجل ابنته، فهذه جريمة عقوبتها الإعدام. إذا كان الرجل ينتهك ابنه، إنها جريمة يعاقب عليها بالإعدام”.

يلاحظ هوفنر أن المثلية الجنسية لم تكن محظورة بين الحثيين وأنه وفق القانون الحثي “الرجل الذي يمارس اللواط مع ابنه مذنب لأن شريكه هو ابنه وليس لأنهم من نفس الجنس”، وبالتالي لم تكن العلاقات المثلية محظورة في تلك الفترة عند حضارة الحثيين التي سكنت سوريا والأناضول. 

طائفة عشتار/ إنانا وطقوس تغيير الجنس:

كانت عشتار (إنانا) آلهة الحب والخصوبة عند السومريين، وهي آلهة بلاد الرافدين وتدرجت في المكانة لتصبح عند الأكديين آلهة الحب والجنس والخصوبة والرغبة والحرب والسلطة والعدالة، يقول المؤرخون إن جزءاً من أتباعها كانوا من غير محددي/ات الجنس، وأنها كانت تبارك وتعطي الإذن أثناء الطقوس الدينية داخل معابدها بتغيير الجنس

وفي مدينة ماري شمال سوريا في الألفية الثالثة قبل الميلاد أخذت عشتار أشكالاً متعددة أحدها ذكر، لكنها لم تكن ذكراً بالكامل، فكانت انثى ذات خصائص جنسية ذكورية، يشار إليها نحوياً كأنثى، واعتبرها المؤرخين صاحبة هوية جندرية معقدة وغير واضحة، حيث تقول في أحد نصوصها “أنا امرأة، أنا رجل”. 

يتعقب البروفيسور والمنظر الفنلندي “مارتي نيسنين” في كتابه “المثلية الجنسية في عالم الكتاب المقدس: منظور تاريخي” Homoeroticism in the Biblical World: A Historical Perspective، السلوك المثلي والعلاقات من نفس الجنس عبر التاريخ، وبحسب ترجمة بعض النصوص الأكدية حول المثلية والتي وثقها الكاتب، فقد أعطي الذكور في ذلك الوقت امتيازا بالقانون فيما لو كان عشيقا جيدا لصاحبه، وهي نظرة إيجابية أخرى تجاه العلاقات المثلية بين الذكور في حضارات سابقة. 

الحقيقة والواضح أيضاً من خلال الأدب والشعر وبعض القوانين أن الكتابة المسمارية والمتصلة بالحضارات في العراق وسوريا تتعاطى بإيجابية مع العلاقات من نفس الجنس، وإن كانت أعلى بين الذكور، ويمكن للقراء الإطلاع على ملحمة جلجامش وتحليل العلاقة بين جلجامش وانكيدو، والتي وجدها علماء الأسطورة والتاريخ تعبر عن العلاقة بين نفس الجنس، كما يمكن الاستزادة أيضا من موسوعة الشرق الأدنى القديم والتي تغطي حضارات المنطقة في شمال سوريا وجنوب العراق والأناضول، خاصة ثقافات اللغة المسمارية أسسها برونو مايسنر في عام 1922 وتطورت على مر السنين. 

شارك!