صادر عن: حركة حراس المساواة – من أجل العدالة الاجتماعية والحقوقية لمجتمع الميم ع السوري، في مواجهة النزاعات والأزمات
تاريخ الإصدار: 20 تموز / يوليو 2025
المقدمة والسياق العام
منذ الثالث عشر من تموز/يوليو 2025، دخلت محافظة السويداء جنوب سوريا مرحلة من التصعيد الأمني غير المسبوق، عقب اندلاع اشتباكات عنيفة بين مجموعات محلية من الطائفة الدرزية ومجموعات عشائرية بدوية، لتتسع رقعة العنف وتشمل المدينة وأطرافها، وتستدعي تدخلًا حكوميًا تخلله قصف، حصار، واشتباك مسلح على مدى أيام متتالية. وبالتزامن، شنت القوات الجوية الإسرائيلية ضربات على مواقع عسكرية في دمشق، في تطور إضافي زاد من تعقيد المشهد الأمني وشكّل تهديدًا مباشرًا للاستقرار الهش في العاصمة.
بحسب تقرير صادر عن الشبكة السورية لحقوق الإنسان بتاريخ 18 تموز، أُحصي ما لا يقل عن 321 قتيلًا، بينهم نساء وأطفال، إلى جانب أكثر من 436 مصابًا بجروح متفاوتة، فيما تجاوز عدد النازحين 80 ألف شخص بحسب بيانات المنظمة الدولية للهجرة، وهو نزوح داخلي قسري شمل آلاف العائلات من السويداء وأطرافها إلى مناطق مجاورة أو إلى ريف درعا الحدودي، في ظل ظروف معيشية وصحية كارثية.
وسط هذا الانهيار، تعطلت الخدمات الأساسية بالكامل؛ فالكهرباء، المياه، والاتصالات (الثابتة والخلوية) باتت خارج الخدمة منذ 17 تموز، فيما أُعلن أن المشفى الوطني في السويداء خرج عن الخدمة نتيجة نقص الوقود والكادر الطبي وانعدام القدرة على تشغيل المعدات، بينما يعجز أفراد فرق الإسعاف عن الدخول إلى الأحياء بسبب وجود قناصين في محيط المستشفى. وتحوّلت المدينة إلى مساحة من العزلة والذعر، حيث يعجز السكان عن الإبلاغ أو الاستغاثة أو التواصل، فيما تتفاقم الانتهاكات بحق المدنيين على امتداد المحافظة.
هذا التصعيد انعكس بشكل حاد وخطير على أفراد مجتمع الميم-ع السوري، خصوصًا المستفيدين/ات من خدمات حركة حراس المساواة، الذين تعرضوا لتقاطع التهديدات من الناحية الأمنية والاجتماعية والنفسية. فقد سجلت الحركة منذ بدء الأحداث تواصلًا مباشرًا مع أكثر من 47 فردًا من المنتفعين/ات، تلقّى بعضهم دعمًا نفسيًا أو لوجستيًا، بما في ذلك تحويل رصيد مكالمات قبل انهيار الشبكة، إلا أن الاتصال انقطع تمامًا مع 11 منهم/ن على الأقل منذ 17 تموز، دون إمكانية التحقق من وضعهم أو ضمان سلامتهم.
عدد كبير من هؤلاء الأفراد يعانون أصلًا من هشاشة حماية مزمنة بسبب التمييز الجندري أو غياب الدعم الأسري، ومع انهيار المنظومة الصحية والأمنية، وجدوا أنفسهم في خطر مباشر من الاستهداف أو التهجير أو الاعتقال، دون أن يملكوا خيار اللجوء إلى مراكز الإيواء أو طلب الحماية، بسبب بيئة معادية محتملة، أو عدم الثقة بمنظومة تقديم المساعدة. الحركة تلقت عشرات الرسائل والمناشدات من داخل السويداء قبل انقطاع التواصل، تحكي عن الخوف، العزلة، وعدم القدرة على الحركة أو الاستغاثة، وعبّر فيها المنتفعون/ات عن رغبتهم بالحماية أو الخروج الآمن من المدينة.
في ضوء هذا المشهد، يأتي هذا التقرير ليوثّق تطورات الأزمة في السويداء، ويرصد انعكاساتها على الفئات المهمشة، وعلى رأسها مجتمع الميم-ع السوري، ويقدم شهادات موثقة ومطالب محددة للاستجابة الإنسانية والحقوقية العاجلة، بما في ذلك فتح ممرات إنسانية، وتأمين بيئات حماية، ووقف الانتهاكات بحق المدنيين، دون تمييز أو إقصاء.
الكارثة الإنسانية وصعوبة الاستجابة
تعيش المدينة انهيارًا شبه كامل في خدماتها الأساسية، فقد انقطعت الكهرباء والمياه والاتصالات عن معظم الأحياء، تاركة السكان في عزلة تامة، غير قادرين على التواصل أو طلب الإسعاف أو حتى معرفة ما يجري حولهم. هذه العزلة التكنولوجية واللوجستية تُضاف إلى مأساة المستشفى الوطني، الذي خرج عن الخدمة نهائيًا بعد أن استنزف طاقمه كل ما لديه من تجهيزات وطاقة بشرية، حيث واصل الأطباء والممرضون العمل لأكثر من اثنين وسبعين ساعة دون انقطاع، وسط انقطاع الكهرباء الكامل ونقص حاد في المعدات الطبية والمستلزمات الحيوية.
لكن الأخطر من ذلك أن محيط المستشفى نفسه تحوّل إلى منطقة خطر، حيث يتمركز فيها قناصون يُعيقون حركة فرق الإسعاف، ويُعرضون حياة المدنيين والطواقم الطبية للخطر المباشر. تحت هذا الحصار الطبي والإنساني، لم يكن مستغربًا أن تُطلق الأمم المتحدة بيانًا تعبر فيه عن قلقها العميق حيال الأوضاع في السويداء، وتطالب فيه بوقف العنف فورًا، وضمان حماية المدنيين والمنشآت الصحية.
️ الأثر الاجتماعي والحقوقي
خلال الأيام التي أعقبت اندلاع العنف في السويداء، تكشفت ملامح مأساة اجتماعية وحقوقية تتجاوز أرقام الضحايا والنزوح، لتصل إلى أعماق البنية المجتمعية التي كانت، حتى وقت قريب، تتسم بقدر من التماسك والتعايش. فقد وثّقت تقارير موثوقة، من بينها تقرير الشبكة السورية لحقوق الإنسان بتاريخ 18 تموز، وقوع أكثر من اثنتي عشرة حالة إعدام ميداني بحق مدنيين، شملت أطفالًا ونساء، ما يعكس نمطًا مقلقًا من الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان.
إلى جانب ذلك، سُجّلت أعمال نهب واسعة النطاق طالت عشرات البيوت، بعضها أُحرق بعد اقتحامه من قبل مجموعات مسلحة، لتتحول الأحياء السكنية إلى ساحات انتقام لا هوادة فيها. ولم تسلم الرموز الدينية والمراكز المجتمعية من هذه الانتهاكات، إذ تعرضت مضافات ومقار اجتماعية إلى اعتداءات مباشرة، ما يشكّل تهديدًا جوهريًا للقيم المحلية والتقاليد التي لطالما ربطت سكان السويداء بعلاقات عميقة ومتجذرة.
في مواجهة هذا الواقع، أطلقت أكثر من أربعين منظمة حقوقية سورية ودولية دعوات عاجلة لإرسال بعثة تحقيق دولية مستقلة إلى السويداء، بغية توثيق الجرائم والانتهاكات ومساءلة المسؤولين عنها، مؤكدين أن الصمت الدولي حيال ما يجري يُسهم في تفاقم الكارثة الحقوقية ويزيد من احتمالات تكرارها.
تأثير الأحداث على مجتمع الميم-ع
تواصلت حركة حراس المساواة مع أفراد من مجتمع الميم ع في السويداء للاطلاع على أوضاعهم/ن وتقديم المساعدة ضمن السبل المتاحة وتلقّت عشرات الرسائل النصية والصوتية من مستفيدين/ات، عبّروا فيها عن الخوف، القلق، وانعدام الأمان.
وتشير شهادات من أعضاء حركة حراس المساواة إلى أن أفراد مجتمع الميم ع في السويداء يواجهون تحديات مضاعفة في الهشاشة، نتيجة الانهيار الأمني والاجتماعي، فقد أفاد عدد من أفراد مجتمع الميم ع في السويداء بأنهم/ن يواجهون الخطر المباشر، كما أن انقطاع الاتصالات حال دون تقديم الدعم النفسي أو اللوجستي لهم، إضافة لفقدان التواصل مع عدد كبير منهم/ن.
الشهادات الإنسانية من السويداء – يوليو/تموز 2025
حتى نهاية يوليو/تموز، تواصلت منظمة “حركة حراس المساواة” مع 12 مستفيدًا/ة من محافظة السويداء، تلقوا خدمات تشمل الدعم النفسي والاجتماعي والمساعدات النقدية. في ظل تصاعد العنف والحصار، تمكنت المنظمة من توثيق شهادات ستة منهم، تعكس معاناة المدنيين في سياق النزاع.
الحالة الأولى: طالبة جامعية عالقة في السويداء
أفادت طالبة مقيمة سابقًا في دمشق بأنها علقت في السويداء مع عائلتها إثر تصاعد النزاع. وصفت ظروفًا إنسانية قاسية شملت القصف العشوائي، انهيار الخدمات الصحية، وانعدام الكهرباء والمياه والغذاء. أشارت إلى دمار واسع النطاق، حالات اختفاء، ومشاهد صادمة في الشوارع. بحلول أواخر يوليو، كانت المنطقة تحت حصار كامل، مع تحذيرات من مجاعة وغياب الإمدادات الأساسية.
الحالة الثانية: نزوح عائلي من اللاذقية
طالبة من اللاذقية تواصلت مع المنظمة بعد نزوح عائلتها إلى السويداء نتيجة القصف. تعيش الأسرة بلا مأوى، وتعاني من انقطاع التواصل بسبب الحصار، مما فاقم القلق النفسي لديها.
الحالة الثالثة: ضائقة نفسية في بيروت
مستفيد مقيم في بيروت أبلغ عن تدهور حالته النفسية بعد تلقيه أنباء عن مداهمة ونهب منزل عائلته في السويداء، وتشرد أقاربه. وصف الوضع بأنه مأساوي، في ظل غياب الأمن والدعم.
الحالة الرابعة: فقدان أفراد الأسرة
مستفيد يعيش خارج سوريا أفاد بمقتل عدد من أفراد عائلته في السويداء. يعاني من ضائقة نفسية حادة نتيجة الفقدان والمسافة، إضافة إلى تدهور الوضع المالي للأسرة التي كان يعتمد عليها سابقًا.
الحالة الخامسة: شاهد على انتهاكات جسيمة
أفاد أحد المستفيدين بفقدان عدد من أصدقائه، وشارك شهادات مرئية توثق عمليات قتل ميدانية لمدنيين. تعرض منزله للدمار، ويعيش حاليًا في ظروف نفسية وإنسانية صعبة.
الحالة السادسة: اقتحامات ونزوح داخلي
أفاد مستفيد من حي دوار العمران بتعرض منزله ومنازل مجاورة لاقتحامات متكررة، تخللها اعتداءات وسرقة. نزح مع أسرته إلى قرية مجاورة، حيث استقبلهم الأهالي في ملجأ مدرسي. يعيشون الآن في ظروف معيشية قاسية، ويعتمدون على المساعدات المحلية، وسط انعدام الكهرباء والدواء والغذاء.
في جميع الشهادات، تكرر الإعراب عن احتياجات عاجلة ومناشدات مشتركة:
· رفع الحصار عن السويداء فورًا للسماح بوصول المساعدات الإنسانية.
· توفير الإمدادات الأساسية المنقذة للحياة: الغذاء والماء والكهرباء والأدوية والوقود.
· استعادة قنوات التمويل، وخاصةً لمن يعتمدون على الدعم الأسري من خارج المحافظة.
· دعم الصحة النفسية والدعم النفسي والاجتماعي، وخاصةً لمن يعانون من الصدمات النفسية والحزن والضيق المطول.
· فتح ممرات إنسانية أو طرق إجلاء للعائلات التي تبحث عن الأمان في أماكن أخرى.
بدون هذه التدخلات، يظل خطر المجاعة الجماعية واستمرار سقوط الضحايا المدنيين/ات مرتفعًا بشكل خطير.
️ مناشدات ورسائل من مدنيين/ات داخل السويداء بينهم أفراد من مجتمع الميم ع:
“نحن محتجزون داخل قسم الإسعاف، يطلق النار علينا من داخل المشفى، إذا بتقدروا تساعدونا وإذا لا.. سامحونا” طبيبة من داخل قسم الإسعاف في المستشفى الوطني.
“نحن محاصرون في بيتنا منذ ثلاثة أيام، لا ماء ولا كهرباء، وأصوات الرصاص لا تتوقف، أطفالي يسألونني إن كنا سنموت الليلة.” أم لثلاثة أطفال من حي المقوس.
“أعيش وحدي، لا أستطيع الخروج ولا أجرؤ على طلب المساعدة، أخاف الآن من هويتي الدينية والجنسية” رسالة من شاب مثلي بتاريخ 15 تموز.
“المشفى الوطني مغلق، والناس تموت في الشوارع. رأيت بعيني جثة شاب تُركت على الرصيف لساعات، ولم يجرؤ أحد على الاقتراب.” عامل إسعاف محلي.
“أرجوكم، إذا كان هناك من يسمعنا، نحن بحاجة إلى ممر آمن، لا نريد سوى النجاة، لا نريد أن نُقتل لأننا دروز” رسالة جماعية من خمسة أفراد محاصرين في حي الخزانات.
“أخي اختفى منذ يومين بعد خروجه للبحث عن خبز، هاتفه مغلق، ولا أحد يعرف عنه شيئاً، نحن نعيش في رعب.” رسالة من فتاة داخل المدينة
“الاتصال متقطع، أشعر أنني أختنق، لا أستطيع التنفس من الخوف.” أحد مستفيدات حركة حراس المساواة.
“الحي الذي أسكن فيه أصبح منطقة اشتباك، لا نعرف من يقاتل من، لكننا نعرف أن المدنيين هم الضحايا.” أحد مستفيدي حركة حراس المساواة.
“أرجوكم، لا تنسوا السويداء، نحن لا نملك صوتًا، ولا نملك ما نقوله إلا أننا نُقتل بصمت.” أحد مستفيدي حركة حراس المساواة
“أمي مريضة، وتحتاج إلى دواء القلب، الصيدليات مغلقة، والمشفى لا يستقبل أحدًا، أشعر بالعجز الكامل.” أحد السكان المحليين.
” كنت أختبئ في منزل صديقة، لكنهم اقتحموا الحي. لا أعرف إن كنت سأخرج من هنا حيّة.” رسالة من فتاة عشرينية أُرسلت قبل انقطاع الاتصال في 17 تموز.
“الوضع في السويداء سيء جداً، ادعو لنا..”
رسالة صوتية من إحدى مستفيدات حركة حراس المساواة رافقها صوت للسلاح الثقيل، وقُطع التواصل معها لاحقاً.
“كنا نعتقد أن دمشق أكثر أماناً، لكن بعد الغارات، بدأنا نشعر بالقلق” رسالة من أحد المستفيدين في دمشق:
وصرحت عضوة حركة حراس المساواة المقيمة خارج السويداء بعد تواصلها مع عائلتها داخل السويداء:
“أهلي يعيشون في رعب حقيقي، أخبروني أن أصوات القصف لا تتوقف، لا يعرفون أي جهة يسلكون، ولا يوجد اي ممر آمن للخروج، وأن الكهرباء والماء مقطوعان منذ أيام، لا يستطيعون التواصل معنا إلا عبر رسائل قصيرة متقطعة، وأرى أنه من الضروري الدعوة لفتح ممر إنساني فوري عبر الأردن، لأن الوضع لم يعد يحتمل، العزاء لكل أم سورية ثكلى وكل يتيم على امتداد سوريتنا من شمالها الى جنوبها ومن شرقها إلى غربها”
قال منسق حركة حراس المساواة في دمشق:
” الناس في دمشق ومن بينهم أفراد مجتمع الميم ع يعيشون الآن في حالة من القلق بعد الضربة الإسرائيلية التي وسط العاصمة، والخوف اليوم من عودة عدم الاستقرار والتصعيد المستمر”
قال مسؤول الاستجابة في حركة حراس المساواة:
“تمكنا من تحويل رصيد مكالمات لـ.. اشخاص داخل السويداء، عبر شبكة مزودي الخدمة، بدعم من منظمتنا، لكننا نواجه صعوبات تقنية بسبب انقطاع الشبكة، ونبحث عن حلول بديلة”
استجابة حركة حراس المساواة:
منذ الساعات الأولى للتصعيد، فعّلت حركة حراس المساواة خطة استجابة طارئة تضمنت تقييمًا عاجلًا للاحتياجات، والتواصل مع المستفيدين/ات، وتقديم خدمات شاملة وإدارة حالات بالحد الأدنى، رغم محدودية الإمكانيات، بهدف توفير الحماية لأي فرد يواجه خطرًا مباشرًا.
تقدّم الحركة مساعدات نقدية عاجلة، وخدمات الحماية، والدعم النفسي، وإدارة الحالات، إضافة إلى الدعم التقني وتأمين الوصول إلى الإنترنت لتفادي فقدان الاتصال.
وتواصل حركة حراس المساواة العمل ضمن وضعية الاستجابة الطارئة، إلى جانب جهود المناصرة، لمواجهة هذه الكارثة الإنسانية رغم ضيق الموارد والتحديات القائمة.
التوصيات:
- فتح ممر إنساني عاجل عبر دول الجوار لإجلاء المدنيين/ات
- إرسال بعثة دولية مستقلة للتحقيق في الانتهاكات، وتوثيق الجرائم بحق المدنيين/ات.
- توفير الدعم الإغاثي العاجل للمدنيين بمن فيهم أفراد مجتمع الميم-ع داخل السويداء.
- إعادة تفعيل الخدمات الأساسية عبر تنسيق دولي مع المنظمات الإنسانية.
- ضمان حماية الكوادر الطبية والإنسانية والمرافق الصحية من الاستهداف.
المصادر والمراجع:
- الشبكة السورية لحقوق الإنسان
- المنظمة الدولية للهجرة
- الأمم المتحدة
- منسقي حركة حراس المساواة