إن أكثر المفارقات إعجابا (بالنسبة لي) في تقاريرنا “أصوات لم نسمعها” أن أبطال هذه القصص ممن ينظر إليهم كأضعف الفئات في المجتمع وأكثرها هشاشة، كانوا/ كن على أرض الواقع عكس ذلك تماماً، ولم تكن الهوية الجندرية عائقا أمام كثير منهم/ن – أي أفراد مجتمع الميم ع في سوريا – بالوقوف متقدمين/ات عرضة للخطر أسوة بغيرهم/نْ في سبيل ثورة ضحاياها بالملايين ووطن لطالما ضاق على أفراد أقلّياته الجنسية والجنسانية.
ولعل الشاب السوري العشريني “سامي الآغباشي” الذي كبر على ظروف الحرب الأعنف خلال العصر الحديث، والمقيم في شمال غرب سوريا في منطقة تعاقبت عليها سيطرة جميع الجهات العسكرية في البلاد وعاشت ظروف القصف والأعمال العسكرية بشكل يومي على مدار أكثر من 10 سنوات متواصلة، وتعرض بسبب نشاطه الحقوقي للاعتقال والعديد من المواقف الخطرة، مثال آخر لكثيرين/ات لم نسمع ولم تُسْمع أصواتهم/ن.
الثورة السورية والرغبة بالتغيير:
رغم صغر سنه و”عدم امتلاك الوعي الكافي” سارع سامي بحماسة اعتمرتْه عند سماع شعارات وأهازيج الثورة في بداياتها للمشاركة بأولى المظاهرات في إدلب ضد نظام الأسد، تختزل مشاركته في الثورة ببداياتها ومساهماته لاحقاً معان عديدة فهي كما يعبّر “نابعة من إحساس عميق بالظلم والرغبة في التغيير”.
يكمل الآن ما بدأه منذ سنوات، توثيق الانتهاكات وكتابة وتحرير القصص الإخبارية المتخصصة بمجال الجندر، لكن قبل ذلك وفي ظل الظروف الصعبة كانت الحاجة لأن تشمل تجربته قطاعات إنسانية وإغاثية أو تطوعية في المشافي الميدانية، وبرغم مخاطر النشاطات الإنسانية والحقوقية في البقع الساخنة وحتمية أن تكون هذه المخاطر مضاعفة على سامي بسبب هويته الجندرية إلا أنه وجد ضرورة بالاستمرار من مكانه بالعمل لأجل مستقبل أفضل لأفراد مجتمع الميم ع: “أصبحت أرى أن الثورة هي ثورة على منظومة القهر والظلم بأكملها”.
وبالفعل يخبرنا الشاب دون إسهاب عن مواقف أليمة بسبب نشاطه، فإلى جانب الملاحقة والاعتقال، لا تفارق لحظات القصف الروسي ذكراه، يصف اقترابه من الموت بكلمات مختصرة: “شاهدته بعيني، وشممت رائحته، ولمسته بيدي!”
وجودي في صف الثورة، منحني إيمان في نفسي، بمشاركتي ساعدت في بناء جسور التواصل مع أشخاص من مختلف الخلفيات وتعزيز قيم الحرية والمساواة في عدة أوساط نشطت بها، هذه المشاركة أيضًا أعطتني فرصة لتقديم الدعم المباشر للمتضررين/ات من التصعيد الأمني الخطير في المنطقة.
الميم ع السوري في “طليعة الثورة”:
سألت سامي عن رأيه في أهمية مشاركة مجتمع الميم ع في الثورة السورية، وكيف وثق مساهمات الميم ع، وباعتباره ناشطا على الأرض ومنسقا ميداني لمنظمة حركة حراس المساواة ويمتلك مجموعة من الخبرات المتنوعة في السياق السوري فقد استهل إجابته بالتأكيد على وجود العديد من أفراد مجتمع الميم ع ممن قدمو/ قدمن التضحيات لأجل الثورة: “لعب أفراد مجتمعنا دورا كبيرا وحيويا خلال الثورة. كانوا/ كن في طليعة الثورة. شغلوا/ شَغِلْنَ مواقع حساسة وإدارية في مؤسسات معارضة وثورية، في السياسة والإعلام والإغاثة الطبية والتعليم والدعم النفسي وحتى هناك من قاتل على الجبهات”.
وبينما يرى أن مشاركة أفراد مجتمع الميم ع في الثورة السورية “تعكس القوة والتنوع داخل المجتمع السوري” فهي من وجهة نظره تأكيد وإثبات على أن الكفاح والنضال من أجل الحرية والعدالة يشمل الجميع دون تمييز، وتكمن أهميتها “في تعزيز التضامن والتفاهم بين مختلف الفئات المجتمعية وإظهار أن الجميع لهم/نْ حقوق متساوية في العيش بكرامة وحرية”.
وبرغم أهمية مشاركة كل فرد من المجتمع السوري بتنوعه وتعدده في الثورة، فإن لمشاركة أفراد مجتمع الميم ع خصوصية إضافية بحسب سامي ولذلك يأسف أن الاعتراف بجهود مشاركة الميم ع في الثورة وأهميته يقتصر فقط على أفراد مجتمع الميم ع، “معظم السوريين/ات من الثوار والثائرات، لم يفهموا أو لا يريدون أن يفهموا أن مشاركة الميم معهم، هو الوجه الأجمل للثورة، وأن الثورة تتسع للجميع”.
يحلم سامي بالوصول إلى بلاد ذات قوانين غير تمييزية ومجتمعات أكثر شمولية ويستشهد بخلاصة دراسات تفيد بضرورة العمل على إدماج مجتمع الميم ع في العملية السياسية وعملية البناء: “ذلك يساهم في تحقيق التنمية المستدامة ويعزز التقدم الاجتماعي والاقتصادي”.
فيما تشكل أي محاولة مباشرة أو غير مباشرة للإقصاء وإبداء التحيز الجنسي بكل أشكاله، دافعاً آخر بالنسبة لسامي للاستمرار بدفاعه عن حقوق الجميع “دون تمييز” وهو لا يزال ملتزماً بدعم قضايا الحرية والعدالة مثلما يقول: “هويتي كفرد من مجتمع الميم ع كانت دائمًا مصدر قوة وإلهام لي”.