سقف البيت هوى فوق أحلام المتعبين

خلال الأشهر الماضية، قمنا بإجراء عدة مقابلات، مع عدد من أفراد مجتمع ميم عين السوري في شمال وشمال غرب سوريا، للإضاءة على مجتمع كامل مهمش، في بقعة جغرافية تتسم بالتوجه الواحد، اللون الواحد، كان الهدف إعداد تقرير عن هؤلاء الأفراد، لكسر هذه النظرة وإثبات وجود كيان “المثليين” في هذه المنطقة المعزولة عن العالم!

لكن “حساب السوق لا ينطبق على الصندوق” كما هو المثل الشائع، ففي فجر 6 فبراير/شباط الجاري، ضرب زلزال جنوب تركيا وشمال سوريا بلغت قوته 7.7 درجات، أعقبه آخر بعد ساعات بقوة 7.6 درجات ومئات الهزات الارتدادية العنيفة، مما خلّف خسائر كبيرة في الأرواح والممتلكات بالبلدين .
واستدعت هذه الكارثة وقفة صمت طويلة، حالت دون نشر التقرير .

هزات ارتدادية ونعوات جماعية !
بعد مرور عدة ساعات على الكارثة، بدأت تنهال النعوات الجماعية، فلم يكن أحد من الذين/اللواتي عاشوا/عشن حدث الزلزال، أو البعيدين عن الحدث، يعرف/ن ما حدث لحظة الزلزال، إلا بعد مرور ساعات، لتنقشع فيها الصورة المخيفة للذي حلّ!
في موقف مهيب لا يمكن للعقل البشري إدراكه وفهمه، على امتداد الجغرافيا بين سوريا وتركيا، كانت الأرواح تتصاعد إلى السماء، جملة واحدة، لتنزل الفاجعة على من بقي!
فمن نجا من الموت، لم ينجو حتماً من قهر الفقد!

جزء من النص مفقود ..
رافي ٢٤عام، مثلي الجنس، يعيش كما كثير من أفراد مجتمع ميم المهمشين في شمال غرب سوريا، كان أحد شخصيات التقرير الاستقصائي الذي بدأ الناشط “سامي الأغباشي” إعداده لصالح GEM قبل الزلزال، وسيتم هنا نشر اقتباسات من المقابلة .

“حياتي صعبة للغاية، عائلتي لا تحترم شخصيتي المختلفة، حتى أصدقائي المقربين، يحاولون السخرية من تصرفاتي التي تشبه تصرفات الإناث كما يقولون .”

“تخرجت من المعهد الطبي بدرجة جيدة، لكنني آثرت على العمل هنا، لا أريد أن أبقى هنا، لا يمكنني تخيل مستقبلي في هذه المنطقة، البيئة لا تشبهني، ولا أتأمل أن يتغير الناس تجاهي، هذا طبعهم، ولن يتغير، أنا متأكد .”
GEMيتحدث رافي لـ .

وفي سؤاله عما إذا حاول بالهجرة وطلب اللجوء في بلد ما :
حاولت العبور إلى تركيا عدة مرات، كنت أطمح للوصول إلى كندا، هناك يمكنني العيش بأمان وحرية، هكذا قرأت على الانترنت، ولكن محاولاتي باءت بالفشل، وفي أحد المرات هربت من المنزل، دون إخبار أحد من عائلتي، وقمت بالتنسيق مع أحد الاشخاص الذين يمتهنون التهريب، لكن ..”أكلت قتلة عالحدود ورجعت” يقول رافي .

احتياجات طارئة لم تعد كذلك ..
“احتاج لحياة جديدة، حياتي هنا تعيسة، أريد أن أعبّر عن نفسي كما أشاء، دون كل هذا الضغط الذي أواجهه، أريد أن أشعر GEMبالأمان، أنا أشعر بالخوف” يقول رافي لـ.

رافي يهمس في إذن العالم!
“أنا آمل أن يسمع ندائي أحد من العالم يستطيع مساعدتي بذلك ويفعل، أنا أطلب منك هذا الطلب بشكل خاص، لكن دون إبراز هويتي، هذا يعرضني للخطر بالتأكيد، لا أعرف إلى أين أتوجه وماذا أفعل للخروج من هنا، أنا أتصفح الانترنت كثيراً، وأقرأ وأشاهد عن حياة المثليين في الخارج، أحلم أن أعيش مثلهم .”

وعن الأفكار التي تتوارد لمخيلته، يقول رافي :
هناك صحفي لبناني اسمه “جو الخوالي” اعترف بتوجهه الجنسي على العام مباشرةً، ياله من بطل، كيف تجرأ ؟
أفكر أحياناً أنني سأفعل مثله عندما استطيع الخروج، لا يمكنني تخيل ردة فعل أهلي وأقاربي وأصدقائي تجاه ذلك، لكنني بحاجة مساعدة لفعل ذلك، ربما هو وجد بيئة تحتضنه، لكن يختلف الأمر لدي، أذكر مرة في أحد السهرات مع أصدقائي، كان خبر الصحفي المثلي قد نُشر للتو، كانوا يشتمونه بشكل مقرف، شعرت بالخوف حينها، وزادت رغبتي بالهجرة”

سقف المنزل هوى فوق أحلام المتعبين ..
“بدي سافر، بدي شوف حياتي، بدي حس حالي حر بكلشي، بدي بلد جديد ورفقات جدد وناس جديدة، تعبت من كل شي”
GEMيختم رافي حديثه مع .

في 8 فبراير/شباط الجاري، انتشلت فرق الإنقاذ جثة رافي، مع عدد من أفراد عائلته، من تحت الأنقاض، في مدينة “حارم” الواقعة شمال غرب سوريا .

صعدت روح رافي للسماء، قبل أن يتم نشر كلامه ونداءه للعالم، فقد كان الزلزال أسرع منّا جميعاً، لكن صوته سيبقى حياً، ينادي من أجل العيش بأمان وحرية لكل أفراد مجتمع ميم عين السوري .

الرحمة لرافي، ولكل ضحايا الزلزال، باختلاف توجهاتهم/ن الجنسية والعرقية .

سامي الأغباشي، حركة حراس المساواة .

شارك!