العراق: تصاعد الكراهية ورهاب المثلية مع نقاش البرلمان قانون “البغاء”

رهاب السلطة ضد المثلية في العراق.. كيف أثر على أفراد المجتمع المهمش؟ 

رهاب المثلية في العراق.. ما دوافع السياسيين وكيف تأثر أفراد مجتمع م.ع؟ 

“أشعر أني أصبحت كالجدار.. بلا أي مشاعر، فقدت الرغبة في الاختلاط والتفاعل مع الآخرين. أواجه صعوبة في النوم. هذه الحادثة جعلتني أذهب بعيدا في قلقي. كأنني عدت إلى فترة اعتقالي في سوريا” هادي – شاب سوري مثلي مقيم في أربيل. 


“بت أفضل البقاء في المنزل وعدم الاحتكاك. الشارع محتقن أينما اتجهت، ذلك واضح من نظرات الناس” ليليت – ناشط عابر مقيم في أربيل.

لا يسلط ما يلي الضوء على آخر تجليات الوصم والتمييز بما يحمله هذان المفهومان من أبعاد اجتماعية وسياسية أو عن العنف المبني على أساس الهوية الجندرية فقط في العراق، إنما يتتبع بعض الانعكاسات السلبية الناتجة عن توظيف ملف المثلية باعتبارها من وجهة نظر الأنظمة السلطوية سلاح تعبئة للرأي العام تكسب به الود وتشتت الأنظار عنها، هذا ما ظهر جلياً على الأقل في العراق، خلال الأسبوعين الأخيرين، بينما كانت أصداء هذا الفيض الهائل من الرهاب والتحريض بحق أكثر الفئات الجندرية تهميشا في الشرق الأوسط، عنيفة وقاسية في العراق.

سابقة خطيرة في التصعيد.. العقوبات قد تصل إلى الإعدام: 

تعتبر العلاقات المثلية مخالفة للقانون في العراق، شأنها شأن جيرانها في الشرق الأوسط، تعديلات كثيرة طرأت على نصوص عدة قوانين منذ عام 1981، جميعها تدين العلاقات المثلية، ورغم أن هذا الموضوع لطالما طرح في جلسات النواب العراقيين سيما في السنوات الأخيرة، إلا أن التصعيد الأخير اعتبر سابقة خطيرة، حيث أعلن البرلمان إنهاء القراءة الأولى في تعديلات على قانون البغاء رقم 8 لعام 1988 تشمل إضافة بند تجريم المثلية الجنسية وحتى المدافعين عنها، فيما قد تصل العقوبات إلى الإعدام أو السجن المؤبد، وتشير القراءة الأولى لأي مشروع قانون في البرلمان العراقي إلى المرحلة الأولى من الإعلان عنه وتلاوته أمام النواب لأول مرة وعرض الملاحظات حوله، ثم يتم تحديد جلسة مستقبلية لمناقشة تفاصيله مرة أخرى، قبل أن يتم التصويت عليه في مراحل لاحقة. 

جاء هذا التصعيد ليكمل فصلا آخر من السجال الحاد حول المثلية أحدثته قرارات هيئة الاتصالات والإعلام العراقية بمنع استخدام مفردات المثلية والجندر والنوع الاجتماعي بدعوى “حماية المجتمع”، وفي الوقت الذي عد حقوقيون هذه التطورات المتلاحقة مؤشرا على تدن أكبر في مستوى الحرية في البلاد وتكريس لسياسة التهميش وتشجيع على التمييز والنبذ ليس فقط بحق أفراد مجتمع الميم عين إنما حتى مع من يتعاطف أو يبدي التأييد لقضيتهن/م، يبدو أن التداعيات ظهرت على الفور في الشارع. 

فيما كانت قد شهدت الشوارع العراقية احتجاجات على حرق نسخة من القرآن على يد اللاجئ العراقي في السويد سلوان موميكا، بدعوة من رجل الدين مقتدى الصدر، وقام أثناءها المحتجون بإحراق أعلام قوس قزح.

شهادات سوريّة من العراق.. ضرب واحتجاز وتهديد:

“ضربونا بشكل عشوائي بواسطة خرطوم المياه، لقد تسبب ذلك بآثار في عيني، في ظهري، وأذني اليمنى” يروي هادي ( 27 عاما) وهو عضو في منظمة حركة حراس المساواة المختصة بتقديم الدعم والمساعدة لأفراد مجتمع الميم عين السوريين في الداخل والخارج، مجريات حادثة اعتداء بالضرب المبرح تعرض لها قبل أسبوع لمجرد جلوسه وصديقه في حديقة سامي عبد الرحمن في إقليم كردستان العراق، وتبادلهم الضحكات أثناء مشاهدة مقاطع فيديو على الهاتف، جاء هذا الاعتداء فيما كانت تنضح وسائل الإعلام وصفحات التواصل الاجتماعي برهاب المثلية تفاعلا مع قرارات الحكومة وتلويح البرلمان بتشديد العقوبات على أفراد مجتمع الميم عين ومن يقف في صفّهن/م. 

“انتو ما بتستحوا ع حالكم، ليش حاطين حلق، مالكم مسلمين؟.. كانت عربيتهم مكسّرة. فجأة خرجوا من بين الأشجار. انهالوا علينا بالضرب والشتائم حتى أنني انتزعت أقراطي بالقوة لأنهم كانوا يضربونني عليها” يستذكر هادي بصمت. 

احتُجز هادي بعدها مع صديقه في سيارة لمدة ربع ساعة، ثم تم نقلهم إلى غرفة حارس الحديقة:”عندما نقلنا إلى غرفة الحارس انهار صديقي من البكاء، هددوه بداية بإخبار الشرطة ثم بإخبار والده، هددوني كذلك بسحب الإقامة مني”

A person's back with scars

Description automatically generated
Close up of a person's ear

Description automatically generated

صور تظهر آثار الاعتداء على هادي – وثقتها ليليت / نقطة اتصال منظمة حركة حراس المساواة 

تعمل ليليت (32 عام) وهي نقطة اتصال مع حركة حراس المساواة لبرنامج العراق مع مجموعة من النشطاء على مساعدة أفراد مجتمع الميم عين وتوثيق الانتهاكات ضدهن/م، تأسف لعدم قدرتها تقديم المساعدة لعدد من الحالات تواصلن/ت معها مؤخرا : “أشعر الآن بأنني أعيش حرية أقل بنسبة 70 بالمئة. هناك تضييق أكبر على عمل النشطاء والجمعيات. لا يوجد ترخيص لدينا”. 

التداعيات تتجاوز أفراد مجتمع الميم عين :

ترى ربى الحَسَني، وهي باحثة ما بعد الدكتوراه في جامعة لانكستر البريطانية خلال مقابلة أجريناها معها أن تداعيات منع مصطلح الجندر وغيرها يعني “زيادة التعسف والاعتباط في إدارة شؤون الدولة. كما أنه ينتهك حقوق التعبير للصحفيين والأكاديميين والناشطين”. 

كما تعبر الباحثة العراقية عن مخاوف كثير من الأكاديميين في العراق سيما المتخصصين في موضوعي الجندر وشؤون المرأة: “لا يستطيعون أن يمارسوا مهنتهم أو نشر أبحاثهم خوفا من العنف، سواء مجتمعي أو مؤسساتي”. 

تشير الحَسَني كذلك إلى أن محاولات البرلمان تشريع الإعدام أو الحكم المؤبد ضد المثليات/ين أو من يساندهن/م من شأنه أن “يشكل خطر على حياة أفراد مجتمع الميم عين ويحث على العنف والتبليغ ضدهم”.

لا تتوقف تداعيات أي تصعيد ضد المثلية عند تشكيلها الخطر على الصحة الجسدية فقط، إذ يحذر العديد من النشطاء والحقوقيين من احتمالية أن يؤدي الخطاب السياسي المعادي للمثلية إلى خلق وصمة عار اجتماعية، بالإضافة لشعور أفراد مجتمع الميم عين بالخوف والعار والوحدة، كما يمكن أن يؤدي إلى حرمان الكثير منهن/م من الوظائف وخدمات التعليم والصحة. 

“خلق الآخر الذي يخافه من لا يفهمه” دوافع سياسية وراء التصعيد: 

العديد من العوامل التي تجعل من المثلية قضية جدلية في الشارع العربي عموما، لكن ماذا لو كانت السلطة من يتعمد إثارة هذا الجدل؟ ما السر في أن يتفق بالرأي معظم السياسيين العراقيين على خلاف ما جرت العادة في باقي شؤون العراق؟ سألنا الباحثة العراقية ربى الحَسَني عن دوافع قرار هيئة الإتصالات العراقية والمساعي البرلمانية في التضييق أكثر على المثلية وما يرتبط بها. 

تلفت الحَسَني في بداية حديثها إلى عامل الفساد المنتشر في مؤسسات الدولة ووجود الكثير من المتورطين ضمن الطبقة السياسية الحاكمة وهو ما يدفع لفتح هذا الملف الحساس “لخلق خوف مجتمعي يشغلهم ضد طائفة صغيرة من الشعب لا تشكل أي خطر على الآخرين. هذه إحدى محاولات متعددة للتحكم بالشعب بخلق “الآخر” الذي يخافه من لا يفهمه”.

تشير ليليت أيضا إلى جزئية الفساد الذي بلغ مستويات عالية وحاجة الحكومة للتغطية عليه “لذلك تقوم الحكومة بإثارة هذا الملف بين حين وآخر، على سبيل المثال لا مياه في العراق ونحن في عام 2023، المثلية هي المادة الأفضل كي تلمع الحكومة صورتها أمام الشعب الغاضب من أدائها الفاشل”.

آمال ضئيلة في التغيير: 

لا تطلب ليليت من أحد أن يتقبلها بل تطلب عدم تجريمها بسبب هويتها: “لست متفائلا. لكنني آمل أن تتغير القوانين لنصبح محميين”.

تنهّد هادي عميقاً. ثم عبر عن إحباطه بتحسن واقع حقوق أفراد مجتمع م.ع في المستقبل وأخبرنا عن قراره بإيقاف علاقاته العاطفية والجنسية: “كنت قد تجاوزت آثار الاعتقال في سوريا وأحاول الانطلاق في الحياة مجددا”. تنهد هادي عميقا مرة وأخرى وقال: “عندما كنا في سوريا علمونا ما نبكي لأن حتظهر هويتنا وهذا الشي بعرضنا للخطر”. 

تختم الباحثة العراقية ربى الحَسَني حديثها بالإشارة إلى حراك نسوي بدء منذ سنوات يطالب بتشريعات تحمي من العنف، إلا أنها تعبر عن أسفها لأن البرلمان “يعطي أولوية لمشروع قانون لا يحمي المجتمع وأفراده كما يوجب بل يحرض على العنف والكراهية”.

قد يختزل ما سبق شيئا من تعقيدات التداخلات القانونية السياسية والاجتماعية التي تكبل مجتمع الميم عين وأفراده، ولذلك لا يعد رهاب المثلية في العراق أو الشرق الأوسط مجرد قضية اجتماعية من وجهة نظر حقوقيين، بل يرونه تحديا سياسيا ينبغي معالجته بجدية، وفي مقابل من قد يراها قضية محدودة، تلامس المثلية الجوهر الأساسي لحقوق الإنسان والحريات الفردية.

همام سراج – صحفي سوري

شارك!