صادر عن: حركة حراس المساواة، من أجل العدالة البيئية والاجتماعية لمجتمع الميم ع، في سوريا
تاريخ الإصدار: 5 تموز 2025
1. مقدمة وسياق
بينما تحاول كلٌّ من سوريا وتركيا التعافي من الكوارث المتلاحقة، وعلى رأسها زلزال شباط/فبراير 2023 الذي خلّف آلاف الضحايا والناجين والنازحين، ودمّر أجزاءً واسعة من البنى التحتية في البلدين، تواجه المنطقة اليوم كارثة بيئية جديدة تمثّلت في حرائق غابات واسعة النطاق اندلعت مطلع تموز/يوليو في كلٍّ من الساحل السوري ومناطق من غرب تركيا.
وتأتي هذه الكارثة في وقت بالغ الحساسية، حيث إنّ سوريا، على وجه التحديد، لا تزال تحاول الخروج من حرب مدمّرة امتدت لأكثر من عقد، وخلفت وراءها اقتصاداً منهاراً، ودماراً واسعاً في البنى التحتية وشبكات الخدمات العامة، مما يضعف قدرتها على الاستجابة للكوارث المتتالية ويضاعف هشاشة الفئات المتضررة.
ويُضاف إلى ذلك أنّ مناطق الساحل السوري، التي اندلعت فيها الحرائق، كانت قد شهدت منذ عام 2025 موجات من التصعيد الأمني والعسكري، تسبّبت في استنزاف دماء المدنيين بعد إسقاط نظام الأسد وهذا يسهم في تعقيد الوضع الإنساني ويجعل الاستجابة للكوارث أكثر هشاشة.
في سوريا، تشهد مناطق الساحل وريف اللاذقية الشمالي سلسلة حرائق طالت ما يقارب 100 كيلومتر مربع (نحو 10,000 هكتار) من الغابات، وفق ما أفادت به الأمم المتحدة، أي ما يعادل أكثر من 3٪ من إجمالي الغطاء الحرجي في البلاد، محوّلة إياه إلى رماد. واندلعت النيران في كل من قسطل معاف، زنزف، وربيعة، وامتدت إلى تخوم القرى الجبلية المجاورة، في ظل موجة حرّ شديدة تجاوزت خلالها درجات الحرارة 38° مئوية، وترافقت مع رياح نشطة، ما ساهم في تسريع انتشار النيران وتعقيد جهود الإخماد.
أدت هذه الحرائق إلى تضرر ما يقارب 5,000 شخص، ونزوح أكثر من 1,120 شخصاً من قرى متضررة أبرزها بيت عيوش، المزرعة، الصبورة، والبسيط، كما تم إخلاء ما لا يقل عن سبع قرى كإجراء وقائي. وتسببت الحرائق في خروج محطة توليد الكهرباء في منطقة البسيط عن الخدمة نتيجة أضرار طالت خطوط التوتر المتوسط، ما أدى إلى انقطاع الكهرباء وتوقف ضخ المياه. كما سُجلت حالات نفوق في حيوانات المزارع، ودمار في الملاجئ، وسط تهديد إضافي بسبب انفجار ذخائر وألغام في مناطق الاشتعال، ما أعاق وصول فرق الإطفاء وعرّضها للخطر.
ويزيد من صعوبة الاستجابة ضعف التجهيزات والآليات القديمة، وانعدام وسائل الاتصال الحديثة، إضافة إلى الطبيعة الجبلية الوعرة للمناطق المتضررة، ما يجعل جهود الإخماد أكثر تعقيداً.
أما في تركيا، فقد اندلعت حرائق مماثلة في محافظات مثل إزمير وهاتاي، التهمت أكثر من 50,000 هكتار من الغابات والمناطق الزراعية، وأدت إلى وفاة ثلاثة أشخاص ونزوح ما يزيد عن 50,000 من سكان القرى المتضررة. وقد زادت درجات الحرارة المرتفعة التي تخطت 40° مئوية، إلى جانب الجفاف والرياح، من شدة هذه الكارثة، ما استدعى تعبئة واسعة من وحدات الإطفاء والطوارئ.
تفاقم هذه الحرائق من التحديات القائمة في كلا البلدين، لا سيما في سوريا، حيث لا تزال المؤسسات الحكومية والمجتمع المدني يكافحان للاستجابة بموارد محدودة، وسط عجز لوجستي وخدماتي كبير. فعلى الرغم من المحاولات الحثيثة التي تبذلها فرق الدفاع المدني والمجتمعات المحلية، يبقى حجم الدمار أكبر من قدرة الاستجابة المحلية.
غير أن هذه الكارثة لا يمكن فصلها عن السياق الاجتماعي والسياسي الأوسع، حيث تتقاطع آثارها مع أنماط التهميش والإقصاء التي تطال فئات واسعة من السكان، وفي مقدمتهم مجتمع الميم ع، النساء، النازحون والنازحات داخلياً، وسكان المناطق الجبلية المهمّشة. وقد تم بالفعل إخلاء مناطق سكنية تقطنها هذه الفئات، نظراً لقربها من مواقع الحرائق.
وبحسب الأمم المتحدة، فإن المنطقة لم تشهد ظروفاً مناخية بهذا السوء منذ ستين عاماً، مما يهدد بتفاقم انعدام الأمن الغذائي لأكثر من 16 مليون شخص في البلدين، في وقت لا تزال فيه المجتمعات المنكوبة تحاول النهوض من آثار الزلزال دون أن تحظى بالدعم الكافي.
ثانياً: التحديات الميدانية
– وعورة التضاريس الجبلية وغياب خطوط النار داخل الغابات.
– نقص الموارد اللوجستية.
– وجود ألغام ومخلفات حرب في بعض المناطق في سوريا.
– ضعف التنسيق بين الجهات الرسمية والمجتمع المحلي.
ثالثاً: الأثر الاجتماعي والحقوقي
– يعيش العديد من أفراد مجتمع الميم ع، في مناطق نائية أو ضمن شبكات دعم غير رسمية، ما يجعلهم/ن أكثر عرضة للخطر في حالات الطوارئ، في ظل غياب آليات استجابة تراعي التنوع الاجتماعي.
– النساء، ولا سيما المعيلات الوحيدات، واجهن صعوبات مضاعفة في تأمين الحماية لأسرهن، وسط غياب مراكز إيواء آمنة وشاملة.
– بعض النازحين/ات داخليا الذين/اللواتي لجأوا إلى قرى الساحل بعد النزاع في مناطقهم/ن الأصلية، اضطروا إلى النزوح مجدداً دون أي ضمانات أو دعم.
– غياب التغطية الإعلامية العادلة والمستقلة ساهم في تهميش أصوات المتضررين/ات، لا سيما من الفئات غير الممثلة في الخطاب العام.
رابعاً: العدالة البيئية كمدخل للعدالة الاجتماعية
تؤمن “حركة حراس المساواة” أن العدالة البيئية جزء لا يتجزأ من النضال من أجل الكرامة والحرية والاعتراف، فالكوارث الطبيعية، حين تقع في سياقات استبداد وتهميش، لا تكون “طبيعية” بالكامل، بل تُظهر اختلالات في أنظمة الحوكمة، وتُعيد إنتاج أنماط الإقصاء.
خامساً: توصيات حركة حراس المساواة
- تعزيز الحوكمة البيئية المحلية
دعم تشكيل لجان مجتمعية في المناطق المتضررة، تضم ممثلين وممثلات عن الفئات المهمشة، لمتابعة الاستجابة وتقديم توصيات مباشرة للجهات المعنية. - توفير مراكز إيواء مؤقتة آمنة وشاملة
إنشاء نقاط إيواء تراعي الخصوصية والكرامة، وتضمن الحماية لأفراد مجتمع الميم-ع، والنساء، والنازحين/ات، بإشراف من منظمات مدنية مستقلة. - إدماج العدالة البيئية في الخطاب الإعلامي والتعليمي
دعم مبادرات إعلامية مستقلة تسلّط الضوء على البعد الحقوقي للكوارث البيئية، وتشجّع على إنتاج محتوى يربط بين البيئة والمواطنة. - دمج العدالة البيئية في خطط التعافي وإعادة الإعمار
التأكيد على أن أي خطة لإعادة تأهيل المناطق المتضررة يجب أن تُبنى على أسس شاملة تأخذ بعين الاعتبار احتياجات الفئات المهمشة. - تخصيص استجابات دولية طارئة
الدعوة إلى تدخل دولي عاجل للمساعدة في إخماد الحرائق، ودعم المتضررين، والمساهمة في إعادة تشجير المناطق المحروقة. - تضمين الفئات المهمشة في الاستجابات الطارئة
التأكيد على إدماج مجتمعات الميم-ع، والنازحين/ات داخلياً، والنساء، وذوي/ذوات الإعاقة بشكل صريح ضمن آليات الاستجابة الطارئة.
استجابة حركة حراس المساواة:
باشرت حركة حراس المساواة بالاستجابة لهذه الكارثة من خلال رفع الوعي حول آثارها البيئية والإنسانية وبالأخص على الفئات المهمشة ، كما بدأت بالتواصل مع المستفيدين المتضررين، وتوثيق احتياجاتهم بشكل أوّلي. وتعمل الحركة على استكشاف سبل المساهمة في مبادرات التشجير وجبر الضرر، انطلاقاً من كونها جزءاً لا يتجزأ من النسيج المجتمعي المحلي، وحرصاً منها على دعم المجتمعات المهمّشة في أوقات الأزمات.
وبحسب منسق الحركة في منطقة الساحل، فإن إعادة التشجير الفوري للمناطق التي التهمتها النيران مؤخراً غير ممكن في الوقت الحالي، نظراً لاعتبارات بيئية وتقنية، إلا أن هناك إمكانيات للعمل على إعادة تشجير الغابات التي احترقت في السنوات السابقة، لا سيما تلك التي دُمّرت بفعل حرائق عام 2022. وتشير التقديرات إلى أن آلاف الهكتارات في سوريا لا تزال بحاجة لإعادة تشجير، إضافة إلى مساحات جبلية كاملة تم اجتثاث غطائها النباتي خلال سنوات الحرب، بسبب الاعتماد على الحطب لأغراض التدفئة، وغياب القوانين الرادعة لقطع الأشجار.
وتؤكد الحركة أن قضايا البيئة في سوريا لم تعد منفصلة عن استقرار البلاد وأمنها المجتمعي، بل أصبحت مرتبطة مباشرة بأمن المنطقة ككل. فبوادر “النزوح البيئي” بدأت تظهر بالفعل في بعض مناطق شمال شرق سوريا، حيث تعاني المدن والقرى من العطش، وشحّ المياه، والجفاف، في ظل تآكل المساحات الخضراء، وانعدام المحميات الطبيعية.
وتدعو حركة حراس المساواة المجتمع الدولي إلى تحمل مسؤوليته تجاه هذه الكارثة البيئية المتفاقمة، عبر دعم جهود الإغاثة، وتمويل مبادرات إعادة التأهيل البيئي، ومساندة الفئات السكانية المتضررة التي تواجه اليوم أزمة مزدوجة مناخية وإنسانية.
المصادر:
- وزارة الطوارئ والكوارث السورية
- الدفاع المدني السوري
- منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة FOA
- منسق منطقة الساحل السوري في حركة حراس المساواة GEM
- AP News – UN teams deploy to Syrian coast as wildfires force hundreds to flee
يحتوي التقرير على تأكيد من الوزير السوري على احتراق 10,000 هكتار (100 كم²)، ونزوح مئات العائلات، وتهديدات نتيجة الذخائر غير المنفجرة - AFP via Arab News – Syria fights ‘catastrophic’ fires for fourth day
تؤكد هذه المصادر نشوء حرائق أحرقت حوالي 100 كم²، وتحدث عن صعوبة الوصول بسبب الألغام، وارتفاع حرارة الطقس، واشتراك فرق دولية - Gulf News – Syria wildfire scorches over 100 km², triggers explosions and exodus
تفصيل حول الطرد الجماعي من القرى مثل بيت عيوش، الصبورة، والمزرعة، بالإضافة إلى تدمير المحطة الكهربائية وانقطاع الكهرباء والمياه - North Press Agency – Wildfires devastate over 100 km² of forest in Latakia, displacing thousands
يؤكد أن ما أُحرق يُشكّل أكثر من 3 ٪ من إجمالي الغابات، ويذكر النزوح لأكثر من 1,120 نسمة، وتدمير المحطة الكهربائية والانفجارات - ReliefWeb – SARD Flash Report 01: Latakia Wildfires, Syria (7 July 2025)
تقرير أممي مختصر يوضّح أن حوالي 100 كم² تحولت إلى رماد، بنسب تجاوزت 3 ٪ من الغطاء الغابي الوطني