العابرون/ات جنسيا في الشرق الأوسط: حضور في التاريخ وتحديات صعبة في الحاضر

لعل مسألة الحصول على أوراق نظامية والاعتراف القانوني بوجود جنس ثالث غير محصور بثنائية الذكر والأنثى يعتبر اليوم من أكبر التحديات التي تقف أمام العابرين/ات جنسيا في دول كثيرة من بينها سوريا ودول الشرق الأوسط حيث تصفها تقارير بالمنطقة “الصعبة” على العابرين/ات جنسيا، بينما تصنف سوريا على أنها الأخطر على أفراد مجتمع الميم عين خصوصا الظاهرين/ات، بالمقابل تقوم في الوقت المعاصر دول كثيرة بالانفتاح على فكرة إضافة خانات في الهويات الوطنية للتعبير عن الأفراد من خارج هذه الثنائية، سنجد المفارقة جلية فيما لو علمنا أن منطقة سوريا والعراق قديما كانت الأسبق لمثل هذا الانفتاح على واقع النوع الاجتماعي والتعدد الجندري. 

العبور الجنسي ليس بجديد..

هناك ثقافات حول العالم لا زالت منذ آلاف السنين تعترف بوجود جنس ثالث، كـ الهجرس في الهند أو الماهو في تاهيتي”

العابرون/ات جنسيا في قصص الآلهة السومرية إنانا/ عشتار: 

تنقل لنا ألواح طينية نقشت باللغة المسمارية، من الميثولوجيا السومرية، قصة نزول عشتار إلى العالم السفلي، وهي واحدة من أقدم النصوص الأدبية في العالم، وفي أحداثها أن الإله “إنكي” قام بخلق جنس ثالث ليس محصورا بالذكورة والأنوثة، ليكون مرافق لعشتار في العالم الدنيوي، وهي التي تجاوزت لاحقا خلال الفترة الآشورية والأكادية الحدود التقليدية للذكورة والأنوثة، وفي مملكة ماري (دير الزور حاليا) أشير إليها بأنها أنثى ذات خصائص ذكرية، وقد قالت في إحدى نصوصها: أنا امرأة أنا رجل، يكشف لنا ما روي عن عشتار جوانب مهمة من حياة أسلافنا القدامى، حيث كان يلعب العابرون/ات جنسيا فيها دورا محوريا. 

وإلى جانب تطورها من كونها آلهة الحب والخصوبة باسم إنانا عند السومريين ثم العدل والسلام والحرب والجمال والجنس عند الأكديين والسريان باسم عشتار، أو عشتروت عند الفينيقيين، فقد كانت إنانا/ عشتار تمنح الإذن في معابدها بالعبور الجنسي. أو ما يعرف بـ “التحول” الجنسي وهو مصطلح أصبح في السنوات الأخيرة لا ت/يحبذ العابرون/ات جنسيا استخدامه. 

“التدمير والخلق والهدم والتأسيس هي ملكك يا إنانا، تحويل الرجل إلى امرأة والمرأة إلى رجل هي ملكك يا إنانا” انخيدوانا السومرية – قصيدة إنانا العاطفية

السومريون وواحدة من أقدم قصص العبور الجنسي:

هل تعرفون إنخيدوانا السومرية؟ إنها أقدم شاعرات النثر في العالم، وفي أحد الأساطير شغلت منصب رئيسة كهنة الآلهة الأم عشتار كما كانت تلقب أحيانا، عرفت إنخيدوانا بقصيدة “إنانا العاطفية Passionate Inana”، تقول فيها التالي: “التدمير والخلق والهدم والتأسيس هي ملكك يا إنانا، تحويل الرجل إلى امرأة والمرأة إلى رجل هي ملكك يا إنانا”.

قد يجادل المختصون حول الترجمة والمعنى الغير حاسم للنص الأصلي النقوش باللغة المسمارية، لكن التفسير المتعلق بتغيير الجنس داخل معابد عشتار، يتناغم مع شخصية الأخيرة والحكايات التي روت عنها وحفظها لنا التاريخ، وعن طقوس عبادتها وكهنتها الذين/ اللواتي وصفن/ وصفوا في عدة روايات بهوية جنسية مزدوجة أو منفصلة بالكامل عن الذكورة والأنوثة. 

كورغارا Kurgarra” و”غالاتر Galatur”: 

قد ينظر إلى كل من ي/تشبه “كورغارا” و”غالاتر” في الوقت الحالي على أنهم تحد فج للأعراف الجندرية السائدة لدى شعوب الشرق الأوسط حاليا، فالأول اسم أطلق على كهنة عشتار من الذكور العابرات جنسيا إلى أنثى والثاني على النساء العابرين جنسيا إلى رجل، وقد اعتبروا/ اعتُبرن في ذلك الوقت تجسيدا للاعتراف الإلهي، بالإضافة إلى الرمزية والمكانة الاجتماعية التي حظوا وحظين بها،  فقد نلن/ نالوا حقوقهم/ن الكاملة بعيدا عن قواعد الثنائية التقليدية المحصورة بالذكورة أو الأنوثة. 

“كورغارا” و”غالاتر”، هذان الاسمان اللذان أطلقهما إنكي على حراس عشتار وكهنتها، وفق قصة نزول عشتار إلى العالم السفلي. وتشير الترجمات إلى أن كل من “كورغارا” و”غالاتر” لعبوا دورا هاما في إنفاذ عشتار أثناء نزولها للعالم البشري. 

التوعية بالعابرين/ات جنسيا.. الشرق الأوسط منطقة “صعبة”: 

في الوقت الحاضر، تحدد كثير من الدول حول العالم أسبوع أو أكثر خلال العام بهدف التوعية بقضايا النوع الاجتماعي، تختلف مواعيد هذا الحدث بين دولة وأخرى، واعتادت بعض الدول منذ سنوات اختيار شهر تشرين الثاني/ نوفمبر للتوعية بالعابرين/ات جنسيا والعبور الجنسي.

تغيب نظرا لكثير من العوامل، عن هذا الحدث دول كثيرة تجرم بالأساس الأفعال المثلية، كما في منطقة الشرق الأوسط وإيران، حيث وصفتها “هيومن رايتس ووتش” بالمنطقة الصعبة على العابرين/ات جنسيا، إلا أن أي موعد للتوعية بحقوق الأفراد المدرجين/ات تحت مظلة العبور الجنسي، دائما ما يكون بمثابة فرصة مهمة لإبداء مشاعر الدعم والتضامن، ولتسليط الضوء على التحديات والمصاعب أمام المنظمات والعاملين/ات في الشأن الحقوقي في مواضيع القبول والتمييز والحرية الفردية. 

العبور الجنسي: مصطلح للإشارة إلى الأشخاص الذين يشعرون بعدم تطابق هويتهم/ن الجندرية مع الخصائص الجسدية المحددة لمعايير الذكورة والأنوثة، أي أن أنثى فيزيولوجيا يعتبر نفسه ذكرا وبالعكس، انطلاقا من الشعور الداخلي، وقد يقرر الشخص العبور بشكل كامل وتغيير الجنس لاحقاً أو قد لا يقرر أبدا، يشمل العبور الجنسي أيضاً الأشخاص أصحاب الهوية الجنسية الغير محددة بيولوجيا، وقد يقومون بتحديدها لاحقاً، أي أن يكون جنس المولود بصفات ذكورية وأنثوية معا، قد تكون ظاهرة كما في الأعضاء التناسلية أو داخلية غير ظاهرة كما في الكروموزومات ويطلق على هذه الهوية اسم البينية الجنسية (Intersex)، كما قد يفضل ممن يشعرون بعدم انتمائهم لثنائية الذكر والأنثى (غير محددي الجندر Non Binary) استخدام مصطلح العبور الجنسي للتعبير عن أنفسهم/ن. وبذلك، العبور الجنسي هو مظلة واسعة تشمل عدة هويات جندرية.

إذاً! تمتد جذور العبور الجنسي في منطقتنا واتخاذ الأشخاص لهذا القرار، والقيام بعمليات تغيير الجنس لآلاف السنين، وهو ليس موضة عابرة أو رغبة مرتبطة بالحداثة والتطور وما يطلق عليه بـ “قيم” الغرب أو الشرق، على العكس تماما، ما يقوله التاريخ لنا يقودنا إلى وجهة نظر واسعة الانتشار تعتبر حضارات سوريا والعراق قديما منارة أضاءت بفكرها أرجاء الأرض، وكانت حرية العلاقات مع نفس الجنس ووجود الجنس الثالث واحدة من السمات الواضحة.

وعليه هل يمكن اعتبار حضارات سوريا والعراق قديما الأسبق في توثيق العبور الجنسي والاعتراف بوجود جنس ثالث؟. 

شارك!