في إطار البحث عن أصوات لم نسمعها وقصص إنسانية عميقة تعكس تنوع الحراك الثوري ضد النظام السوري في عام 2011، هذا التنوع الذي شمل أفراد مجتمع الميم ع في سوريا، أتيحت لي الفرصة خلال سنوات الثورة التعرف عن قرب إلى كثير من هؤلاء الأفراد، ممن لم يخف/ تخف الانضمام إلى ركب السوريين/ات للمطالبة بالحرية والعدالة ودولة مدنية، في خضم حرب اعتبرت الأكثر وحشية خلال العصر الحديث، وبرغم التحديات المزدوجة المتمثلة بـ: النظام القمعي، والمجتمع الرافض.
لم تكتف الشابة السورية “علا” بالوقوف في وجه النظام السياسي وترك عملها كمحاضرة جامعية، ومن ثم النضال ضده بما أوتيت من سبل، بل عملت خلال السُنِيْ الماضية على كسر الصورة النمطية ليس فقط حول المرأة العاملة القادرة على تحدي المخاطر إنما أيضاً حول مفاهيم مغلوطة وقوالب جاهزة تشوب النظرة إلى أفراد مجتمع الميم ع.
“لأننا مضطهدون/ات. نحن مع الثورة منذ بداياتها”:
قبل أن تصبح الشابة السورية الثلاثينية وجها معروفا لدى السوريين/ات، من خلال عملها كصحفية غطت الكثير من الأحداث والقصص الإخبارية في ظروف خطرة وسياق حرب في سوريا اعتبرت الأعنف خلال العصر الحديث، تكشف لنا عُلا وهو اسم وهمي اختارت استخدامه لأنها – كمواطنة سورية مثلية – لا زالت “نصف ظاهرة” كما تقول، تكشف جانبا من حياتها مع بدايات الثورة عام 2011، وكيف تحدّت تعليمات رؤساء عملها لكتابة تقارير بالطلاب أصحاب النفس المعارض: “كنت مدرسة في كلية الآداب بجامعة حلب عندما بدأت الثورة. كان الخوف شديد جداً، بعد ضغوط من مشرفة القسم ونصائح المحيط والخوف من التقارير الكيدية اضطررت للهروب إلى خارج سوريا، ومنذ ذلك الوقت اعتبروني منشقّة عن النظام”.
حرصت الشابة على إخفاء هويتها خلال مشاركتها بالمظاهرات بـ “المرعبة جدا”، لا سيما احتجاجات الطلاب أمام كلية الطب قبل أكثر من 10 سنوات: “ليس خوفا على نفسي فقط إنما على أمن وسلامة عائلتي”، تستدرك “علا” حديثها معنا بالإشارة إلى العلاقة بين الاضطهاد الذي تعرض له أفراد مجتمع الميم ع وكونهم/ن أولى الواقفين/ات مع الثورة السورية إبان اندلاعها في عام 2011:
“باللا شعور لأننا مضطهدون ومضطهدات، نحن أصحاب توجه ثوري أكبر. نعلم ماذا يعني الظلم. لا ندخل في القوالب الجاهزة مسبقا ونشكّك في كل شيء. نحن مع الثورة منذ بداياتها بل وساهَمْنا بتنظيمها”.
وبرغم سفرها إلى خارج سوريا، إلا أن “علا” صمّمت على إكمال نشاطها ضد النظام، لتنتقل من عالم المحاضرات والطلاب إلى عالم الإعلام والصحافة، ولم تكن ببعيدة عن الحدود السورية حيث تركز نشاطها أولاً في مدينة غازي عنتاب التركية لتصبح لاحقا بعد سنوات إحدى أكثر الوجوه المعروفة بالنسبة للسوريين والسوريات.
“نحن موجودون مهما حوربنا. لن يقل عددنا”:
وبينما لم تمنعها هويتها الجندرية من المشاركة بداية الثورة، تأسف الآن لامتناعها عن العودة إلى سوريا بسبب هويتها الجندرية، وترى أن نفس الأسباب التي تمنعها في الوقت الراهن من العودة إلى بلدها والانخراط أكثر في عملية البناء، هي ذاتها التي تقف عائقا أمام نيل أفراد مجتمع الميم ع حقوقهم/ن “هناك كره غير مبرر لمجتمع الميم ع. قد نكون أسوأ من النظام بالنسبة للمجتمع السوري، هذا الشعور ليس جيدا، لقد تعرضت للخطر دفاعا عن السوريين والسوريات ولا زلت. ونفس الأشخاص الذين أدافع عنهم يتهجمون علينا.”
تؤكد “علا” أثناء حديثها على أن أفراد الميم ع في بلد مثل سوريا، مساهمون في كل نواحي الحياة لكن دون أن يكون ذلك معلنا، وتأمل أن يتم التعاطي معهم/ن باعتبارهم/ن مواطنين/ات كحال أي مواطن/ة. وتشير إلى معرفتها الكثير من أفراد مجتمع الميم ع، من أصحاب الإنجازات ومنهم/نَّ لا يزال/ تزال في سوريا “أطباء/ طبيبات من المجتمع ولا زلن في سوريا وبقيوا أثناء الحصار، وعمال إنقاذ، وإعلاميين/ات وكذلك أكاديميين/ات وفي العديد من المجالات”.
وتوصي في ختام حديثها أفراد مجتمعها المتواجدين/ات في سوريا بتوخي الحذر وتقول: “نحن موجودون مهما حوربنا. لن يقل عددنا. كل ما هنالك أنه يجب الضغط على أنفسنا”.
هذه ليست مجرد سرد لمقابلة شخصية إنما محاولة لفهم جزء بسيط من أدوار كثيرة لعبها/ لعبتها الأفراد المثليون والمثليات والعابرون والعابرات وأصحاب/ صاحبات التوجه الجنسي المزدوج وحاملوا/ حاملات صفات الجنسين وغير محددو الجندر خلال الثورة السورية، وكيف يمكن أن يساهم فهم ذلك في تشكيل مستقبل أكثر شمولية وتعددية في سوريا.