تفاءلت حينما رد وزير الصحة في الحكومة السورية المؤقتة “مرام الشيخ” بالموافقة على المشاركة في تقريرنا الخبري عن واقع فيروس نقص المناعة البشري، والحقيقة أن الغرض من التطرق للموضوع مع الوزير هو ليس التنبيه أو التحذير فسوريا من البلدان ذات معدلات إصابة منخفضة بحسب معاونة وزير الصحة لدى حكومة النظام حيث صرحت بذلك العام الماضي، إنما الغرض بالإضافة إلى كون اليوم هو اليوم العالمي للإيدز، هو البحث عما يسد الثغرة غير الواضحة عندما يتم الحديث عن الأرقام، في ظل خريطة مقسمة وترهّل القطاعات الطبية بسبب تجاذبات الحرب والسياسة المستمرة وفق دراسة أعدتها حركة حراس المساواة.
إن التوجه إلى الوزير أولاً، يأتي من موقعه في حكومة تسيير أمور مناطق المعارضة بدعم من الحكومة التركية، والتي قررت ترحيل عابرة جنسية مصابة بفيروس نقص المناعة البشري إلى شمال غرب سوريا، دون النظر إلى المخاطر المهددة للحياة عليها، بسبب العوامل الاجتماعية والأمنية وسيطرة فصائل متشددة على المنطقة وهي قوات حليفة للجيش التركي.
انبثقت الحكومة السورية المؤقتة عن الائتلاف الوطني الذي يمثل المعارضة السورية وحظي باعتراف دول غربية وعربية كبرى.
لقد تأخر الوقت بالفعل بالنسبة للعابرة بعد ترحيلها، فما عرف عنها سوى مقتلها في مناطق المعارضة السورية على يد عناصر من الجيش الحر بالتعاون مع أفراد من عائلتها بحسب ما أعلنته منصة Adana LGBTI+ solidarity.
لا أرقام عن الإصابات في مناطق المعارضة والمختبرات “غير كافية”:
تبدو الصورة واضحة في مناطق النظام السوري، فقد سجل إجمالي عدد الحالات الجديدة في عام 2023، 95 إصابة، 87 منهم سوريين/ات 78 ذكور، 9 إناث، بحسب صحيفة البعث، ووفق ما صرح به مدير مديرية الأمراض السارية “زهير السهوي”، لصحيفة الوطن، فقد بلغت الأرقام منذ عام 1987 إلى نهاية 2023، 1245 حالة، منهم 882 حالة لسوريين/ات.
زهير السهوي – مدير مديرية الأمراض السارية في سوريا
وبينما تشمل هذه الأرقام المناطق الواقعة في شمال شرق سوريا لوجود مختبر ومركز يتبع لحكومة النظام السوري مركزه الحسكة، قد تبدو الصورة في مناطق المعارضة غير حاسمة، فقد صرح في عام 2017 وزير الصحة السابق في الحكومة السورية المؤقتة التابعة للمعارضة د. فراس الجندي لصحيفة العربي الجديد “أنه لم يتم تسجيل أي إصابة بفيروس الإيدز في جميع المناطق المحررة”، وأضاف أن الفحص يتم من خلال عملية التبرع بالدم، وأن المختبرات القادرة على كشف الفيروس “عددها غير كاف”.
حاولنا التواصل مع وزير الصحة في الحكومة المؤقتة مرام الشيخ، للوقوف على الصورة المحدثة لواقع فيروس نقص المناعة، وبعد موافقته على المشاركة في التقرير، لم يجب على أي من أسئلتنا حول كيفية الكشف عن الإصابات، الأدوات التي تملكها الحكومة المؤقتة في سياق الوقاية ورفع الوعي بفيروس نقص المناعة البشري، أو عن أعداد الإصابات.
وفي هذا السياق خلصت دراسة أعدتها حركة حراس المساواة إلى غياب الخدمات والرعاية الطبية المناسبة وصعوبة الوصول إليها إن وجدت بالإضافة إلى الواقع الأمني الذي يمنع الوصول إلى العلاج أو المعلومات.
التمييز وعدم المساواة في الوصول إلى العلاج:
وفي بحث مطول نشرته حركة حراس المساواة حمل عنوان “السوريون/ات من مجتمع ميم عين في الصراع والنزوح، ومساهمتهم/ن في جهود السلام والمساءلة” تطرق إلى الوضع الصحي وتأثيره على أفراد مجتمع الميم ع، حيث تحدث عن أن الخوف من التعرض والاعتقال يمنع العديد من الرجال المثليين من الوصول إلى الرعاية المناسبة أو المعلومات التي يمكن أن تساعد في الوقاية أو الوصول للعلاج.
كذلك، تقول الأمم المتحدة في تقرير لها، إن عدم المساواة بين الجنسين يحول دون الوصول العادل إلى العلاج، في دول آسيا الوسطى وشمال إفريقيا وأوروبا الشرقية، في حين تصف تقدم المسار العلاجي في هذه البلدان أنه يتسم بالبطء.
صعوبة الوصول إلى معلومات:
“الخوف من التعرض والاعتقال يمنع العديد من الرجال المثليين من البحث والحصول على معلومات حول الممارسات الجنسية الأكثر أماناً” يقول معدو/ات البحث الذي نشرته حركة حراس المساواة، ووفق الاستطلاع الوارد في البحث، فقد أكد 70% من الأفراد المشاركين/ات أن هويتهم/ن الجندرية تشكل عقبات أمام قدرتهم/ن على الحصول على الخدمات والرعاية الطبية والنفسية ضمن أماكن إقاماتهم/ن الحالية في سوريا.
5% منهم فقط يرون أن الأفراد المصابين/ات بفيروس نقص المناعة لديهم/ن إمكانية الوصول الكافي إلى الرعاية الطبية الأساسية دون تحمل عبء مالي داخل موقع إقامتهم/ن الحالي.
وبالمثل، أشارت أغلبية كبيرة من المشاركين/ات الذين يعيشون في سوريا 69٪ إلى عدم وجود منشأة مركزية تقدم الخدمات الطبية والرعاية والاختبارات التشخيصية للأفراد المقيمين/ات في منطقتهم/ن والمتأثرين/ات بالأمراض المنقولة جنسياً.
وأجاب/ت 11% من أفراد العينة بـ”لا أعرف”، فيما أجاب/ت 20% بـ نعم.
تشير التقارير الأممية إلى ضرورة تكامل النظم الصحية، وتعزيز القوانين غير التمييزية والمساواة بين الجنسين، بوصفها إحدى سبل الوقاية من فيروس نقص المناعة المكتسب، أما في الحالة السورية فيجد متخصصون/ات في الإغاثة الإنسانية في مناطق النزاع إن السبل الأفضل تبدأ بتوحيد الجهود وتحييد هذا المرض عن أي تجاذبات ومشادات سياسية.