في اليوم العالمي للمثليات، المغنية بذل وهند والشاعرة وردة: مثليات من التاريخ والشعر العربي

لطالما كان التاريخ بوابة إلى سجل حافل بالتطورات والمتغيرات التي رسمت عالمنا اليوم، ولعل العودة بالتاريخ يحفز عندنا النظر بعين النقد والموضوعية إلى كثير من الحقائق التي لا زالت تؤطر باعتبارها “قضايا مثيرة للجدل”، نلقي معكم/ن في هذا التقرير نظرة خاطفة على جانب من حياة المثليات في عصور مضت غطاها الأدب العربي.

لم تتسم هذه التغطية جميعها بالسلبية، لكنها ليست إيجابية تماماً، على سبيل المثال لا الحصر، أورد أحمد التيفاشي صاحب كتاب “نزهة الألباب فيما لا يوجد في كتاب” فصلاً كاملاً حول المثلية بين النساء سماها “في مدح السحق والاحتجاج له”، ملحقاً إياه بقسم آخر بعنوان “في ذم السحق”، وتراه المتخصصة في الكتابات الأدبية والدراسات الاجتماعية والجنسانية د. سمر حبيب أكثر من تحدث عن تاريخ المثلية بين النساء العربيات بشكل “إيجابي”. 

القرن الثالث عشر.. “وردة السحّاقة” وجرأة الطرح:

قلما تطرقت نصوص الشعر العربي المصنفة ضمن خانة الأدب الشبقي الذي يعبر عن الرغبات ويصورها بشكل واضح وصريح إلى الحالة الحسية بين المثليات أثناء القيام بالجنس، لكننا نجد من يعبر عن هذه الحالة، وعلى لسان شاعرة عربية مثلية تدعى “وردة”. 

ينقل التيفاشي من القرن الثالث عشر قصيدة الشاعرة “وردة”، والتي أسماها في كتابه “وردة السحّاقة”، نقتبس من القصيدة ما يلي: 

“ثم إذا تطابقنا بالصدور على الصدور، وانضمت النحور على النحور، وتراكبت الشفران على الشفرين، واختلج كل منهما على الآخر حتى إذا تعالت الأنفاس…”. 

ومن نفس الكتاب نجد قصة أخرى أوردها التيفاشي، يقول فيها: 

“وقد شاهدت امرأة منهن بالمغرب، كان لها مال كثير وعقار واسع، فأنفقت على عشيقتها المال الناضر، فلما فرغ وأكثر الناس عليها من العتب والملامة، سوغت لها جميع العقار فحصلت على خمسة آلاف دينار”. 

قصص الحب والوفاء بين المثليات في المنطقة العربية ما قبل الإسلام: 

يأتينا كذلك، ابن فليته صاحب كتاب رشد اللبيب إلى معاشرة الحبيب، الذي وثق التجارب المثلية بين النساء العربيات بقوله: “السحق قديم في النساء، ولهن به لذة يهون عندهن الإفتضاح به والإشهار به”.

كما ينقل إلينا إحدى أجمل قصص الحب بين سيدتين عربيتين، في القرن الخامس الميلادي أبطالها ابنة الحسن اليماني وهند زوجة الملك النعمان بن المنذر، يقول: 

“وأول من سنَّ السحق ابنة الحسن اليماني، وكانت وفدت على النعمان بن المنذر فأنزلها عند امرأته هند، فعشقتها وشغفت بها”ـ “فلما ماتت ابنة الحسن اعتكفت هند على قبرها حتى ضرب المثل في ذلك”. 

نستدل على هذه القصة أيضاً، من خلال البيت التالي للشاعر الشهير الفرزدق: 

وفيت بعهد منك كان تكرما               كما لابنة الحسن اليماني وفت هند 

بذل.. صاحبة الفضل في حفظ الأغاني وتأليفها: 

الشخصية الأشهر من تاريخنا، هي المغنية “بذل”، وهي مؤلفة ومغنية اشتهرت في عصرها، يقول المختصون إن لها فضل في تأريخ وتوثيق وحفظ كثير من الموسيقى والأغاني والأصوات، هذه الشخصية التي وردت أيضاً في كتاب “الأغاني” لأبي الفرج الأصفهاني، يوثق ابن فليته حديثها مع الخليفة العباسي المأمون، والذي عزز الشكوك حول هوية بذل الجندرية، حيث غنت في جلسة مع الخليفة العباسي المأمون: 

“ألا أرى شيئا ألذ من الوعد”، فجعلته “ألا أرى شيئا ألذ من السحق”. 

وفي هذا السياق، تعتقد د. سمر حبيب، المختصة في الدراسات الاجتماعية والجنسانية في محاضرة ألقتها في عام 2008 بأن بذل كانت مثلية “ليس لأنني أريدها هكذا، وليس لأنني أفرض قيم ومفاهيم عصرنا هذا على القرون الغابرة، بل لأن الأصفهاني يشير إليها بأنها ظريفة، والظرف هي كلمة متداولة في المدن العربية القديمة بين السحاقيات القديمة العربيات وهي تعني “السحاق”. 

يقودنا ما ورد لطرح المزيد من الأسئلة ووضع المزيد من الاعتبارات عند تناول “توثيق” الشعر العربي للمثلية بشكل عام، لا سيما حول التحيزات والقوالب الاجتماعية عند الكاتب، حيث يمكن أن تساهم الكثير من العوامل الدينية والاجتماعية والثقافية في التأثير على طريقة طرح الموضوع وتناوله.

شارك!